د.محمد يعقوب محمد يكتب: بروفيسور أبوالقاسم قور.. فقيه الدور محقور

كثيرة هي الأشياء التي (برت عرجاء) في وطني المكلوم طيب الذكر السودان .. وكثير منهم من مشى ويمشي ويتماشى بسياسة (إما تشربي يا غرة واما نكسر قرنك) .. وفي إطار ذلك مشت الأشياء والكائنات وكل يطوي في القلب حسرة وتتنامى في لبه معدلات الكراهية وعدم تقبل الآخر إلى أن قامت (الحرب) .

أخي معالي البروف مثلك وآخرون (ستدس) منهم الشهادات وشهاداتهم و(تفطس) حاجاتهم قسرا .. ويحيا ود (أمونة) نموذجا للنجاح ويصير الآخرون (جنقو) في وطن أرخص ما فيه الإنسان كما قال أديبنا العملاق رجل الكلمة والعبارة (فضيلي جماع) لله دره .

أمثالكم يا بروف سيذكرهم التاريخ وستحتفظ بمآثرهم أطابير البلاد (الحرة) التي تعرف قدر الانسان كما في بلدة (أصيلة) بالمغرب العربي حيث يقف تمثال (الطيب صالح) شامخا ويحتفى بذكرى (الفيتوري) وتخلو خرطومنا بل وسوداننا من شارع أو زقاق باسم جده السلطان تاج الدين .

اخي معالي البروف قور .. رأيتهم في جامعة سياتل يذكرونك بكثير من الفخر وريتهم في جامعة بيرغن يتحدثون عنك بفخر ورأيت بأم عيني الندوات تعقد وتنفض في جوهانسبيرج وبروتوريا وهراري بزمبابوي و ولوساكا عاصمة زامبيا وبدار السلام تنزانيا وباشراف مباشر من معهد السلام الأمريكي وجامعات أخرى بعضها من وسط تل أبيب !!! .. رأيتهم كلهم يتحدثون ويناقشون نظريتك في ثقافة السلام والسلم وفض النزعات .. وأخيرا المبدعون العرب بقاهرة المعز يكرمونك ونحن أجهل من نكون بما تصنع .

في محفل مهيب بجنيف (سويسرا) سألتهم عمن يتحدثون أخبرني بروف (شافيلد هيرك) ألماني الجنسية ناهز الثمانين من عمره مهتم بثقافة السلام قائلا : ( نحن نحتفل اليوم بالبروفسور السوداني أبو القاسم قور الذي أسس هذه النظرية وقد أبدع فيها وأجاد .. ولكن من غرائب الأشياء تم فصله في هذه الأيام من الجامعة التي يدرس فيها فغادر الخرطوم وربما استقر بأديس اببا تحت ضيافة جامعة اديس أو أنه بجمهورية مصر مسؤلا عن الملف العربي بجامعة الأمم المتحدة ) .. انتهى كلام الخواجة الألماني ووجدتني أبكي وارد عليه (نعم نعم انا اعرف البروف ابوالقاسم قور واعرف أسرته فردا فرد نشأ عفيفا في بيت كرم ونبل وعاش عفيفا لا يملك في الحياة سوى علمه ومكتبته وآلة عود أهداها له الموسيقار عبدالكريم الكابلي يعزف عليها حينما تعزف عنه الأشياء .. ومصحفا كبيرا كبيرا جدا كتب بخط اليد ورثه من أبيه وقد تجاوز في حفظه ثلثيه وفي خفاء .. زوجته سيدة فاضلة ابنة خاله تسمى حواء وابنيه محمد ومنتصر وبنته الوحيدة أسماها على امة فكانت اسما على مسمى (غالية) .. يسكن بمنزل الجامعة وله عربة ماركة الكامري موديل 2005 بليت من مجابهة الرزق كما قال فضيلي جماع في قصيدته الشهيرة شارع في حي القبة [ثلة رجال بليت سراويلهم من مجابهة الرزق] .. هذه العربة المتهالكة ربما كانت جزء من مكافأته نظير عمله لما يقارب عقد من الزمان مفوضا لحقوق الإنسان وممسكا بملف الرصد والرقابة .. ومع ذلك لا يملك شيء لا يملك شيء سوى إيمانه العميق بالله ) . حين انتهيت من حديثي احتضنني هذا الخواجة بدهشة وقال لي اذن أنت تعرف بروفيسور أبو القاسم قور ؟! قالها بلهفة وعينان خضر مفتوحتان .. “بلعت ريقي” وقلت له نعم انا أعرف بروفسور أبوالقاسم ونحن من أسرة واحدة درجت أن تقول في أمثالها (فقيه الدور محقور) .. سألني عن سبب فصله من الجامعة لا سيما بعد ثورة ديسمبر -على حد قوله- قلت له نحن أمة لا نحتفي بعلمائنا والثورة اكسبتنا المزيد من الكراهية البغضاء وبالتالي أضحى أبرز شعاراتها (الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية) وبروف أبو القاسم قور ابرز شعاراته السلام السلام السلام .. ضحك الخواجة وقال لي نعم الآن عرفت سبب فصله من الجامعة .

أخي بروف أبو القاسم الوجع كتيييير .. ولكن نحلم بغد يتبارى فيه طيبو النفوس وسليمي الوجدان لا تعرف المخازي طريقا إلى قلوبهم وكذا الحقد والحسد والبغضاء .. واجزم بان هؤلاء سيأتون حتما ويرفعون راية وطن شامخ بازخ اسمه السودان .

(يعاد نشر هذا المقال التحفة الأدبية بمناسبة الاحتفال الذي نظمه (صالون وادي النيل) (وملتقى السرد العربي) .. تكريما للبروفيسور أبوالقاسم قور والذي وقع ثلاث اصدارات جديدة تعرض الآن بمعرض القاهرة الدولي للكتاب).

إرسال التعليق

You May Have Missed

error: Content is protected !!