من القاهرة إلى الفاشر… صرخة وفاء لشهداء مجزرة الصافية القاهرة
استطلاع من داخل مسجد حمد بالقاهرة :إسلام أمين
في ليلة سودانية خالصة، تسربلت بالحزن لكنها تزيّنت بوهج الأمل، احتشدت جموع غفيرة من أبناء السودان ضمّت نخبة من القيادات السياسية والمجتمعية والإدارات الأهلية، بمسجد حمد في أول فيصل بالقاهرة، يوم الجمعة 6 سبتمبر، لإحياء ذكرى شهداء مجزرة مسجد الصافية بالفاشر، الذين ارتقوا سجوداً فجر الجمعة 19 سبتمبر 2025 إثر استهداف وحشي للمسجد أودى بحياة أكثر من 75 مصلياً.
جاء التأبين مهيباً، وارتفع منبره ليكون منصة للوفاء ولإدانة الجريمة، وللدعوة إلى وحدة الصف ووقف نزيف الدم، حيث توالت الكلمات المؤثرة من شخصيات قومية ودينية وأهلية بارزة، رسمت صورة للوطن الجريح، لكنها حملت في طياتها نداءً صادقاً للسلام والمصالحة.
افتتح حفل التأبين الإعلامي الدكتور ضياء الدين الطيب، الذي أدار اللقاء.
وتحدث وزير العدل الأسبق، متحدثاً بالإنابة عن أسر الشهداء مولانا محمد بشارة دوسة، الذي ابتدر حديثه بشكر المنظمين والحضور، واصفاً اللقاء بأنه “لوحة ترسم أن السودان مختلف عن بقية البلاد”.
وأكد أن “هذا اللقاء يجب أن تكون له نتائج عملية، وأن كل من سالت دماؤهم على أرض السودان هم شهداء”.
وشدد على أن الشعب السوداني وحده قادر على وقف الحرب، مضيفاً: “الدولة تتكون من أرض وشعب وسلطة، واليوم أرضنا مستباحة، فلنوحد صفوفنا ونرفض العصبية والفرقة، دماء الشهداء ستنبت خيراً، وهذه بشرى من الله لعباده الصابرين.”
وأضاف دوسة أن هذا التأبين هو أول تأبين لشهداء السودان منذ بداية الحرب، ليس فقط لشهداء الفاشر، بل للشهداء الذين سقطوا في الجنينة، والخرطوم، والجزيرة، ووينجو، وستار, وبارا، والنهود، وفي كل بقعة من بقاع السودان سقط شهيد على الأقل، مؤكداً أن هذا التأبين شامل وكامل.
د. أحلام مهدي صالح قالت: “ربنا يتقبل الشهداء ويرحمهم رحمة واسعة، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. نترحم في هذا اليوم وفي فقدنا الجلل على شهداء الفاشر. هذا الحدث المفتعل والقتل المتعمد داخل المسجد سلوك لا يشبهنا كسودانيين، ولا يشبه المواطن السوداني. إلى متى نبكي على أمواتنا؟ هؤلاء الذين توفوا في المسجد بفاشر السلطان، وعلى رأسهم مدير الإدارة شداوي آدم الطاهر، هذا حدث كبير وجلل، ومفروض كل العالم يقف عنده!”وأضافت: “هنا يجب أن توضع البندقية.
إلى متى الحرب والمواطن لا ذنب له فيها؟ نحن ندعو المسلمين في السودان أن ينظروا إلى هذا الأمر، وأن نفوض أمرنا لله، وإنّا إليه راجعون.”
الفريق إبراهيم الماظ دينق مستشار حركة العدل والمساواة السودانية قال: “في اليوم الثاني على التوالي نجتمع في مسجد حمد بالقاهرة لتأبين أهل السودان جميعاً.
أمس كنا في تأبين شهداء مسجد الفاشر الذين فقدنا منهم 75 شهيداً إثر قصف مليشيا الدعم السريع، ومن بينهم الملك شرف وإخوته، وضمنهم عميد كلية الطب، تقبلهم الله بواسع رحمته.
“وأضاف: “لقد قصفت المليشيا المسجد لتخويفنا من أداء الصلاة، ولكن أهل الفاشر متمسكون بتعاليم دينهم الإسلامي.
فأهل الفاشر أهل دين، وهم الذين كانوا يكسون الكعبة المشرفة، ويطعمون حجيج بيت الله، وهم الذين شُرّفوا بتسمية آبار علي باسم السلطان علي دينار.
وهذا شرف عظيم لهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.”
وأكد: “كيف لتلك المليشيات أن تقصف من كان معتكفاً في مسجد الله؟ لكن دعوة المظلوم مستجابة إن شاء الله.
أعتبر أن اليوم هو ملحمة سودانية بمشاركة كل من مديري الإدارات الأهلية وولاة سابقين، ونحن كقوة مشتركة شاركنا أيضاً في هذه الملحمة.”وأشار إلى أن هذا التأبين يأتي متزامناً مع بشريات صباح الجمعة، حيث بدأت القوات النظامية المشتركة من الجيش والمخابرات والبراءون والدروع والمستنفِرين بالزحف في كل محليات شمال كردفان، ومن ثم لتحرير منطقة أم صميمة وأم سيالة والخوي، والآن على مشارف النهود إن شاء الله.
وأضاف: “غداً ستكون هناك بشريات جديدة إن شاء الله، كما أعربنا عن فرحتنا بالانتصارات التي حدثت أمس، حيث تربط قوات الكافي طيار الآن بين كردفان وعلى مشارف الدبيبات، وهذه بشريات الأيام المقبلة.”واختتم قائلاً: “نسأل الله أن تكون هذه اللمة لمة خير، وتجمع المجتمع السوداني على الخير، وأن يوحد الله شيبه وشبابه.”
مداخلة د. مدينة حسين دوسه استاذ مشارك جامعة نيالا في فاشر السلطان، فاشر الصمود، حيث اختلط الدم الطاهر بتراب الأرض، تجسدت روح السودان المصغر. كان يوم التابين ملحمة وطنية عابرة للحدود الجغرافية والاجتماعية؛ فمن شرقها وغربها، ووسطها وشمالها، التقت القلوب على مصاب واحد، ووحدة حال لا يكسرها محنة.
لقد كانت الخطب المُلهمة بلسمًا يثلج الصدور، تحمل في طياتها عظمة ماضينا العريق ومرارة حاضرنا الحزين، لكنها في جوهرها كانت دعوة للتعاضد وتوحيد الصف. بين الدموع والآهات، انسابت المواعظ العميقة التي أيقظت فينا حسرة وندمًا على كل واجب قصرنا فيه تجاه هذا الوطن المعطاء.من وحي هذا العزاء الجامع، ولد العهد الجديد: يجب أن نعود إلى الوطن بروح الفداء، وأن نَعَضَّ عليه بالنواجذ، وأن نُقسم ألاَّ يكون في قاموسنا كلمة تفريط.
فالسودان ليس مجرد أرض، بل هو كرامة وتاريخ وعهد لا يمكن التنازل عنه.اختتم الشيخ آدم محمد يوسف التأبين بتلاوة آيات من سورة الفاتحة، متحدثاً عن الموت كـ “نقلة من حياة فانية إلى حياة باقية”، وداعياً أن يرحم الله شهداء الصافية، وأن يبعثهم مصلين مكبرين مستبشرين
إرسال التعليق