تفاصيل ساعة الصفر.. التخطيط في ظلال حي بانت لعبور الجسر
متابعات – المقرن
نشرت منصة “القدرات العسكرية السودانية” توثيقًا بعنوان: “ساعة الصفر – التخطيط في ظلال بانت”، لعملية نفذها الجيش السوداني في سبتمبر الماضي لفتح جبهة الخرطوم عبر كبري النيل الأبيض “كبري الحديد” انطلاقًا من حي بانت العريق في أمدرمان، في عملية ملحمية كانت سببًا في تحرير العاصمة.وبحسب المنصة، ففي صباح الخامس والعشرين من سبتمبر، وقبل أن تشرق شمس المعركة بيوم، لم يكن هناك سوى همس الأوامر وصمت الرجال. في ذلك اليوم، تلقى الرائد جمال الدين النضيف، قائد فريق القتال بالقوات الخاصة السودانية، أمرًا إنذاريًا قصيرًا في كلماته، لكنه كان بحجم أمة بأكملها:> “أن يكون فريق القتال جاهزًا لتنفيذ مهمة إنشاء رأس جسر لقوات المهمة الخاصة، المكلّفة بتطهير منطقة المقرن”.لم تكن تلك مجرد كلمات مكتوبة، بل كانت إعلانًا ببدء العد التنازلي لواحدة من أخطر وأعقد العمليات العسكرية في بيئة مدنية شديدة التعقيد، في تاريخ الجيش السوداني الحديث.عبقرية اختيار الموقعوفق التوثيق، صدرت التعليمات بأن تكون نقطة تجمع القوات المشاركة في مباني ثكنات الكليات الطبية بحي بانت، وهو اختيار عبقري من الناحية التخطيطية؛ فالموقع وسط منطقة مدنية لا تثير الشبهات ولا تستفز الحذر الاستخباري، وبعيد عن الرقابة العسكرية المباشرة، مما وفر غطاءً طبيعيًا للمرحلة الأولى والأكثر حساسية: مرحلة التجميع والتجهيز.الهدوء الذي يسبق العاصفةفي قلب ذلك الهدوء المصطنع، اجتمع الرائد جمال الدين النضيف بقادة مجموعات القتال. لم تكن هناك خطابات حماسية أو صيحات تشجيع، فالحماسة المطلوبة لهذه المهمة لا تُستثار بالكلمات، بل تنبع من إيمان داخلي عميق بضرورة تحقيق النصر. كانت كلماته دقيقة وحاسمة:> “ضرورة إكمال التجهيزات قبل الساعة 14:00، والحفاظ على سرية وجهة الفريق وطبيعة المهمة”.كانت السرية السلاح الأول؛ الدرع الذي يحمي نبضات العملية قبل أن تبدأ. كل جندي وضابط أصبح خزانة أسرار، يدرك أن تسرب كلمة واحدة قد يكلف أرواحًا ويفشل مهمة بحجم وطن.المفتاح الحاسم للعمليةفي قلب الخطة، أسندت للنقيب منتصر جعفر، قائد المجموعة الثانية، مهمة مفصلية تمثل مفتاح العملية بأكملها: تجهيز فريق لعزل ديدبانية العدو والقضاء عليها، تمهيدًا لعبور القوة الرئيسية.عملية جراحية في قلب الوطنكانت تلك المهمة بمثابة عملية جراحية دقيقة داخل جسد الوطن الذي ينخر فيه العدو والمرتزقة. “فريق العزل” لم يكن كبير العدد، لكن رجاله كانوا صلابةً وشجاعةً؛ رأس الحربة الذي يقتحم مواقع العدو بصمت ليفتح الطريق أمام القوات.في بانت، كانت الساعات تمرّ ببطء شديد؛ كل دقيقة تحمل وزن وطن. في ثكناتهم، كان الجنود يجهزون أسلحتهم وقلوبهم لمعركة ستحدد مصير الخرطوم. وعند إتمام الجاهزية، صدرت الأوامر بالتحرك في الموعد المحدد، مع مراعاة دقيقة للجوانب الميدانية التي ترفع فرص النجاح.بوابة النار نحو النصركانت مهمة “فريق العزل” بقيادة النقيب منتصر جعفر هي الشرارة التي ستفتح بوابة النار، وتحول المانع المائي إلى جسر للنصر. تحركت الأقدام بصمت يشبه مشي الظلال، والخرطوم نائمة لا تدري أن رجالًا يتحركون الآن ليغيروا قدرها إلى الأبد. لم يكن ذلك مجرد تحرك عسكري، بل عبور جماعي نحو كتابة التاريخ.
إرسال التعليق