فرضت الإدارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض سلسلة عقوبات اقتصادية على السودان، صدرت إما بأوامر تنفيذية من الرئيس أو بتشريعات من الكونغرس الأميركي، وهدفت إلى الضغط على السودان المتهم برعاية ما يسمى بالإرهاب، خلال سنوات حكم الإنقاذ منذ العام 1988م، كما ظلت هذه العقوبات شاخصة خلال فترة حكم الرئيس عمر البشير التي امتدت إلى ثلاثين عام ، كانت العقوبات في باطنها للحد من نفوذ حكم البشير ومحاصرته ، في تلك الفترة التي بدأ فيها نظام الحكم يبرز بشخصية مستقلة عن المنظومة الدولية الاستعمارية التي ظلت تمارس الهيمنة على الشعوب وتعمل على مصادرة قرارها السيادي ووأد أي محاولات للتحرر الوطني ، في تلك الفترة فرضت الولايات المتحدة عقوبات على السودان للحد من نفوذه الإقليمي الذي بدأ يتشكل سريعا مستقويا بعدد من الأنظمة السياسية في محيطه التي ظلت تناصب الولايات المتحدة الأمريكية العداء رفضا للهيمنة والاستكبار، مثل النظام الإيراني والسوري في العام 1997 تم تصعيد العقوبات لدرجة الحظر التجاري وتجميد أصول الحكومة بسبب ماسمته الولايات المتحدة الأمريكية، انتهاكات لحقوق الإنسان ومخاوف تتعلق بالإرهاب.، كذلك فرضت مزيدا من العقوبات في 2006م بسبب ما قالت إنه دعم للعنف في دارفور ، بعد اعتمادها على تقارير كان يعدها ناشطين وسياسين سودانيين مناوئين للحكومة في تلك الفترة، أثرت هذه العقوبات تأثيرا بالغا على الشعب وعلى الاقتصاد السوداني ، ومازال السودان يعاني من هذه الآثار ، رغم محاولات السودان تجاوزها باللجوء إلى دول أخرى مثل الصين لمساعدته في إنجاز عدد من المشروعات الاقتصادية التي ساهمت بصورة مقدرة في تجنيب السودان الآثار السالبة لهذه القرارت ، حيث أنها دخلت في استثمارات واسعة مع السودان في مجال الطاقة والنفط والبنية التحتية بجانب المشروعات الزراعية والصناعات الدفاعية ، في المجمل شهد العام 2015م حتى العام 2017 تفاهمات حول ماسمته الولايات المتحدة الأمريكية تعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتقدم السودان في ملف حقوق الإنسان حيث أصدر الرئيس الأمريكى (باراك أوباما) أمرا تنفيذيا قضى بتخفيف العقوبات الإقتصادية والتجارية المفروضة على السودان.، بما يسمح للشركات الأمريكية بتصدير أجهزة اتصال شخصية بالإضافة إلى برمجيات تتيح للسودانيين الاتصال بالأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ، ظلت هذه العقوبات تمثل الجزرة والعصا على مستوى العلاقات السودانية الأمريكية ولم تفلح حكومة الثورة بقيادة عبد الله حمدوك بعد تغيير نظام حكم البشير في تطوير المواقف مع الولايات المتحدة الأمريكية رغم الحرص الذي اظهرته من خلال دفعها مبلغ 750 مليون تعويضات لأسر الضحايا في عملية البارجة الأمريكية رغم أن المحكمة سبقت وأن برأت السودان عن تلك التهم دون أن تجدي نفعا في رفع العقوبات ، في 30 سبتمبر الماضي 2024م في خطوة ذات توقيت جيد عدها المراقبون بمثابة انتقال لليوم التالي من الحرب ، أعلن عن قرار الرئيس الأميركي رقم (7017)، الذي تم بموجبه إعفاء السودان من العقوبات المفروضة وفقاً لقانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر الأميركي لعام 2000، للسماح باستمرار المساعدات بموجب أحكام مساعدات التنمية وبرامج الصحة العالمية ، حيث يتيح القرار للسودان الحصول على مساعدات التنمية الأمريكية والاستفادة من برامج الصحة العالمية ، كما يتيح القرار للسودان الاستفادة من المعاملات البنكية والتجارية والمالية والمساعدات التقنية والتبادل في مجال البحث العلمي وفرص التعليم ، لم يتأخر ترحيب الحكومة السودانية بالقرار على لسان وزير خارجيتها حسين عوض حيث اعتبرته يمثل تقدماً مهماً في العلاقات بين البلدين وسيساهم في جهود إعادة الإعمار ، خاصة تأهيل القطاع الصحي ، الناظر إلى توقيت القرار ودلالاته يستطيع أن يرى من خلاله أن الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الخطوة تسعى إلى تحقيق مصالح تخصها بصورة مباشرة في تمكين الشركات الأمريكية من دخول السودان عقب الحرب للمساهمة في إعادة الإعمار وبذلك تحرص أمريكا بأن يكون لها دور واضح ومصلحة مباشرة في الاستفادة من موارد السودان من خلال ماتقوم به من تعبيد للطريق عبر هذا القرار حتى تتمكن من التعامل المباشر مع الحكومة السودانية بتعزيز المصالح المشتركة ، حيث أن وجود هذه الإجراءات كان يمثل عائق أمام دخول الولايات المتحدة الأمريكية للسوق السوداني ، أما في جانب مصالح السودان القرار يلغي آخر العقبات الموجودة المتعلقة بالمساعدات التجارية والمالية ، لذلك عده المراقبون على راسهم الدكتور مجاهد إبراهيم استاذ العلوم السياسية بالجامعات الأمريكية المتخصص في العلاقات الدولية: (أنه قرار اقتصادي بامتياز يصب في مصلحة السودان إذا أراد أن يتعامل مع أمريكا بميزان تجاري مفتوح ، هذا ما يجعل المصالح الأمريكية أكبر في السودان من خلال حرصها على قطع الطريق أمام دول أخرى مثل الصين وروسيا ، القرار أيضا يحمل جانب مهم إذ أنه يرتبط بقانون الشفافية المالية و بميزانية الولايات المتحدة الأمريكية المجازة حتى العام 2025م،) لذلك يظل وجه الحقيقة : يدعو إلى أهمية استفادة السودان من هذا القرار في هذا التوقيت المهم وهو مقبل على إعمار ما دمرته الحرب ، وإصلاح الاقتصاد لتمكينه من النهوض ، عليه يجب أن يوظف السودان القرار في انتقال جديد من خلال الاستفادة من إتفاقية (الهيبيك) لإعفاء ديونه كما عليه أن يذهب به إلى منظمات التمويل الدولية للنظر في شراكات اقتصادية تمكنه من الحصول على أموال تساعده في إعادة البناء ، كذلك على وزارة المالية وكل الطاقم الاقتصادي في البلاد المسارعة بإعداد رؤية حول كيفية الاستفادة من هذا القرار من خلال إرسال وفد للولايات المتحدة الأمريكية لتقديم رؤية السودان الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة التي تقوم على تبادل المصالح واحترام السيادة الوطنية ، كذلك تظل فرص السودان واسعة في الانضمام إلى أي تجمعات اقتصادية مثل تجمع دول (البركس) إذا ما قرر ذلك.
دمتم بخير وعافية.
الأحد 6/أكتوبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com
(ضل التاية) بروفيسور ابراهيم محمد آدم: ألهذا جئت يا بريللو؟!
Spread the loveالمندوب غير السامي الأمريكي للسودان الذي سمي بالمبعوث هو امتداد لذات النمط الاستعماري الغربي الذي كان يسمي مناديبا في بعض الدول في ظل وجود سفراء وهذا نهج للاسف وافقت عليه حكومة الإنقاذ السابقة ولا يزال البلد يتجرع اليوم سمه زعافا.وما كان مبتدأ أن توافق الحكومة على استقبال مثل هؤلاء المندوبين الا في اطار المعاملة بالمثل وما أكثر المشاكل التي تعانيها امريكا وتتطلب ذات المكيالولسان حال…