الجيش نفذ عملية (حرب مدن) غير مسبوقة في افريقيا والشرق الأوسط
القوات المسلحة استوعبت الصدمة الاولى لتمرد الدعم السريع ثم انتقلت لمرحلة الدفاع النشط
عملية خروج البرهان ونائبه من القيادة العامة لازالت من أسرار الإبداع العسكري
الحكومة تملك مستندات تثبت الدعم الإماراتي لمليشيا الدعم السريع
بداية العام 2025 سيكون مؤثرا.. إما حسم عسكري او مفاوضات او تدخل دولي
حاوره: عبود عبدالرحيم
بدات القوات المسلحة نهاية الاسبوع الماضي عملية عسكرية شاملة لدحر مليشيا الدعم السريع من مناطق وجودها بالخرطوم والجزيرة ودارفور ، ووصف خبراء ومراقبون العملية بأنها الاقوى من نوعها منذ بداية الحرب في 15 أبريل 2023.
ولمعرفة أسباب وتداعيات العملية وتوقعات نتائجها وتأثيرها على حاضر ومستقبل السودان، جلست (المقرن) مع الخبير العسكري اللواء د.أمين إسماعيل مجذوب وطرحت عليه حزمة من التساؤلات حول العملية وتفاصيلها والسيناريوهات المتوقعة بالبلاد .
ويتمتع اللواء أمين بمعلومات وخبرات واسعة تساعد على القراءة والتحليل، وتقول السيرة التعريفية لضيفنا في هذا الحوار، انه لواء مهندس ركن دكتور أمين إسماعيل مجذوب، خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية، ومدرس مادة إدارة الأزمات في الجامعات الاكاديميات السودانية.
*بدأ الجيش عملية واسعة لدحر المليشيا من مركز رمزية الدولة والسلطة بالخرطوم، ما هي دلالات توقيت العملية والتقديرات العسكرية لها؟*
-هذا التوقيت محكوم بحرب المدن، وحرب الشوارع لديها تكتيكات معينة وهي حرب تعتبر مركبة من الحروب المعقدة والقوات المسلحة وصلت إلى هذه المرحلة بعد إن مرت بأربعة مراحل الاولى كانت مرحلة الحصار ثم مرحلة الدفاع والدفاع النشط ثم الآن الهجوم والمطاردة ،لذلك التوقيت لم يحدد وانما هي سلسلة من الحلقات هذه الاساليب والطريقة التي عملت بها القوات المسلحة تعتبر الآن مدرسة قائمة بذاتها في افريقيا والشرق الاوسط، لم يسبق إن حدثت حرب مدن بهذه الكيفية إن تتمرد قوة كانت معاك بالامس وصباحا تحتل المواقع ، لذلك جاءت هذه المرحلة من الهجوم والتطهير بدءا بالعاصمة من اربعة محاور في وقت واحد متزامن بدات في الساعات الاولى من فجر الخميس، وبالتالي كانت هنالك تحركات ايضا في المناقل وتحركات في الفاشر والفاو مما اربك حسابات مليشيا الدعم السريع وبالتالي اعتقد ان التوقيت محكوم بالمراحل والنتائج والاهداف وهذا هو الجواب على تأخر الهجوم والذي هو مردود لنوعية الحروب حروب المدن والشوارع وأساليبها المختلفة.
*في عمليات عسكرية سابقة كان البعض يعتقد تراجع القوات المسلحة من القرى والمدن التي يصد منها المليشيا حتى بعد دخولها وتنظيفها؟*
هذا الاسلوب يسمى اسلوب الدفاع النشط تخرج من الدفاع وتهاجم وتحدث خسائر ثم تعود إلى موقعك مرة اخرى، هذا الاسلوب طبعا خاص بحرب المدن وقد ادى الى ايقاع خسائر كبيرة جدا داخل الدعم السريع طيلة السنة ونصف الماضية فبالتالي الآن انطلقت هذه العمليات البرية لأن الدعم السريع فقد حوالي 70% من قوته الصلبة، والموجود الآن هم المستنفرين والكسابة “المعروفين بمصطلح عصابات الشفشفة” وللاسف الشديد هم ارتكبوا انتهاكات من عنف جنسي واغتصاب وقتل على الهوية ثم النهب والسرقة والاستيلاء على سيارات واموال والذهب واخيرا الكسب من المواطنين في الشوارع.
لذلك كان هذا التأخير محسوب بخطط محددة لكن ما كان بالإمكان شرحها للمواطنين، الدعم السريع أخطأ خطأين بموجب هذه الخطة إنه توسع في الولايات الوسطى وابتعدت عنه خطوط الإمداد ودخل في عداءات مباشرة مع المواطنين بعد مهاجمة القرى والمشاريع الزراعية.
*(مقاطعات) الا ترى ان هذه الخطة اثرت في المواطنين بمعنى ان القوات المسلحة تخلت عنهم في مواجهة المتمردين؟*
هذه واحدة من سلبيات حرب المدن ان المواطن ينتظر حمايته ومثالا لذلك ولاية الخرطوم الشريط الغربي حوالي 12كيلو إذا وضعت في كل مائة متر عسكري معناها انت تحتاج إلى ثلاثة مليون عسكري، هذا مثال لحرب المدن لذلك نحترم احتجاج المواطن لكن لاول مرة حتى في دخول المهدية الخرطوم استمر ثلاثة ايام، دخول كتشنر ثلاثة ايام وحرب المرتزقة يومين والانقلابات العسكرية يوم واحد، لم تكن هناك حرب تعدت 3 ايام.
*جاءت العملية العسكرية في الخرطوم بينما كان اهتمام العالم يتركز حول الفاشر وهجوم المليشيا الذي تجاوز ال 140 هجوما؟*
بحكم انني كنت قائدا في الفاشر اهتمام العالم بالفاشر يرجع إلى التعقيدات والتقاطعات القبلية في دارفور الفاشر تعتبر حاكورة من حواكير الفور والبرتي والزغاوة والتنجر لا علاقة لها بحواكير العرب لذلك العالم يخشى ان تسقط الفاشر وتكون هناك مذبحة كبيرة جدا للقبائل غير العربية، ايضا معرفة العالم بقدرات القوات المسلحة ووجودها في الشمال والوسط والشرق كان مطمئن ، لذلك كان كل الاهتمام منصب نحو الفاشر ايضا في تقدير تجربة اليوناميد القت بظلالها جزء من هذا الاهتمام وكل التقارير تتحدث عن دارفور لا يوجد اي تقرير يتحدث عن الخرطوم او الشمال او الوسط او الشرق،، والان اتضحت الصورة بتقرير الخبراء الخاص بسرقة مخزن الغذاء بمدني من قبل قوات الدعم السريع ايضا فشل الموسم الزراعي الصيفي والموسم الزراعي الشتوي والآن ندخل في الموسم الشتوي الثاني، وهذا امر خطير جدا ربما ينذر باقتراب فجوة غذائية، او مجاعة، لكن معدلات الامطار التي هطلت وادت لسيول وفيضانات خلال هذا العام مكنت المواطنين من الزراعة في مساحات كبيرة وبالتالي بإمكانهم سد هذه الفجوة مع الانتصارات الاخيرة للقوات المسلحة.
*انتقل الجيش لاول مرة لحالة الهجوم من محاور مختلفة بعد قرابة العامين من الحرب وتساءل المراقبون عن إبطاء الجيش والتمسك بالدفاع وصد الهجمات عن المدن؟!*
اولا تمرد قوات تتبع لك، تستيقظ الصباح وتجد انها احتلت القصر الرئاسي الموكل لها حراسته والإذاعة والتلفزيون ومحاصرة القيادة العامة وكل الفرق والمناطق الخارجية تم احتلالها بنفس هذه الطريقة فهذه تسمى الصدمة ومرحلة الصدمة تحتاج لخبرة كبيرة لإستيعابها فبحمدلله القوات المسلحة استطاعت استيعاب هذه الصدمة والخروج منها بعد ساعتين فقط تحركت طائرة واحدة وقامت بقصف المركز الرئيسي للدعم السريع بالخرطوم الذي به مركز القيادة والسيطرة فبالتالي كان هناك نداءات للضباط المنتدبين للدعم السريع وبالتالي انحازوا إلى الوطن وللقوات المسلحة.
استمرت هذه الصدمة في تقديري قرابة الشهرين فإنتقلنا إلى مرحلة الدفاع والدفاع المشط وتغطية الاحتياجات الحياتية اليومية، هناك قوات محاصرة بالتأكيد تحتاج غذاء وتحتاج إلى الذخيرة، فبالتالي كان هذا الدفاع النشط فيه ابداعات ستظهر فيما بعد ، مثل كيفية خروج السيد القائد العام ونائبه ووصولهم إلى وادي سيدنا إلى الآن ماذا يأكلون ومن أين؟ كل تلك مازالت الآن أسرار لكن الابداع كان في مرحلة الانتقال من مرحلة الدفاع النشط ومهاجمة الدعم السريع وإيقاع خسائر به وعودة القوات إلى أماكنها، الآن تم الزج بقوات كبيرة جدا من الفرق الخارجية تجمعت في وادي سيدنا وحطاب وفي المهندسين والمدرعات فبالتالي انطلاق هذه القوات وبهذه الكثافة أربك الدعم السريع وكان التجهيز استغرق حوالي ستة أشهر وهذا يعتبر زمن قياسي، أيضا العلاقات الخارجية والاحتياج لبعض الإمدادات مع تدمير ورش ومواقع التصنيع الحربي التي كانت تمد القوات المسلحة بالأسلحة والذخائر والأسلحة المتوسطة فبالتالي الأمر كان يحتاج الى ابداع بشري كبير جدا، هناك شكوى نوعا ما من الاعلام العسكري لكن الاعلام العسكري لايتحدث عن خطط وانما ينقل اخبار فقط فعندما لا تكون هناك معارك لا ينقل الإعلام بيانات هناك خبراء يعالجون هذا الأمر ما يعرف بأعلام الأزمة يخرج مسؤول ليتلو بيان صباحي وبيان مسائي كما رأينا في عاصفة الحزم والحرب الأوكرانية، اذن هي تجربة جديدة وتكتيكات استخدمت لأول مرة لذلك نجد العذر عندما يتم تلخيص هذه الحرب ونشر اهدافها للمواطنين.
*بالنسبة لحديثكم عن الإعلام والإعلام العسكري ما تقيمكم لمدى العمل الإعلامي خلال هذه المرحلة الإعلام الخاص والإعلام الرسمي؟*
طبعا حدثت هزه كبيرة بفقدان الاذاعة والتلفزيون وفقدان كل المرافق الاعلاميه التي كانت موجودة بولاية الخرطوم من صحف واذاعات وقنوات واذاعات fm كلها توقفت بسبب هذه الحرب، اذن كانت هذه ازمه تحتاج الى مبادرات والمبادرات بدات في عطبرة بدات في دنقلا تم تشغيل التلفزيون السوداني من الولاية الشمالية ومن عطبرة ومن بورسودان وبالتالي في تقديري الاعلام اذا كان ضعيف فله اسبابه والى الان الضعف موجود ولكن هنالك قنوات خاصة قد ظهرت ايضا هنالك قنوات رسمية بدات تعمل ولكن ليست بالكفاءة السابقة ، أيضا توفير الموارد المالية صناعة الإعلام مكلفة جدا ماليا ولكن نطمئن الجميع ان هنالك مبادرات هنالك بعض القنوات في المستقبل ستظهر وربما يتأخر عودة الإعلام الرسمي إلى الخرطوم حتى تكتمل المباني والمعاني باعتبار ما تم من تدمير لذلك، أعتقد أن الإعلام عمل بحسب إمكانياته وعمل بحسب الصدمة الأولى التي حدثت بفقدانه لكل البنية التحية للاعلام .
*(مقاطعات) هل ذلك يعني أيضا الصحافة الالكترونية؟!*
الصحافة الإلكترونية للاسف تحتاج إلى مجتمع الكتروني، مجتمع الازمة يكون مطلع لديه أجهزة ذكية يستطيع أن يتعامل مع الميديا حتى يتطلع على الصحف، الآن هذه الأجهزة الذكية فقط متاحة عند النخب وبالتالي هي تأثيرها في الخارج أكثر من الداخل لأن انقطاع الكهرباء انقطاع النت أثر تأثير كبير جدا في التعامل مع الصحافة الإلكترونية، لكن هي مجهودات أيضا لدينا سودانيين في المهجر محتاجين ليعرفوا عن السودان هذا يستدعي وجود صحافة إلكترونية وبالرغم من قلتها ادت دور كبير جدا في المرحلة الماضية.
*خلال هذه الحرب واجه الجيش لأول مرة مصطلح حرب المدن، بحكم انك خبير عسكري حدثنا عن طبيعة هذه الحرب وهل تحتاج إلى تكتيك عسكري مختلف؟*
طبعا حرب المدن والمناطق المبنية مقيد جدا لحركة القوات لابد أن تكون الحركة بالمنشاة فقط أو بالمركبات الصغيرة، الدعم السريع تفوق في البداية من ناحية امتلاكه المركبات العسكرية الرباعية الدفع تمكنه من دخول الحواري فبالتالي حصل له انتشار وليست سيطرة هناك فرق كبير بين السيطرة والانتشار، السيطرة تستدعي وجود قيادة مسيطرة وخطط وتعليمات أما الانتشار فأنك تتحرك من النقطة الف الى باء باسرع ما يمكن فبالتالي التكتيك الآخر الذي تتطلبه حرب المدن أن يتم التحرك باحتلال القمم ثم تأتي المشاة من تحت، وجود القناصة أضعف كثير من حركة القوات في الأيام الأولى، أيضا هناك مهارة أخرى تحتاج إلى مجهودات هي القتال من شارع إلى شارع، لا تخرج القوات في الشارع ولكن تخترق المباني من مبنى الى مبنى، وهذا يتطلب وجود آليات لتكسير المباني، لكن نحن كسودانيين نراعي لسلامة المباني فبالتالي كان للطيران والمدفعية دور كبير جدا في تحييد مليشيا الدعم السريع.
ايضا هنالك سلبية في حرب المدن ان استخدام الطيران والمدفعية يؤدي إلى تدمير البنيات التحتية ورأينا ما حدث في جسر شمبات كمثال وفي جسر جبل أولياء لحرمان العدو من الامداد ، تم تدمير جزء من هذه الجسور ولكن الصيانة وإعادتها إلى طبيعتها قد يستدعي أموال ووقت كبير جدا وقد يضيق على المواطنيين بعد انتهاء الحرب، اذن حرب المدن حرب المناطق المبنية مكلفة ومعقدة جدا والمليشا حينما قامت بهذه الحرب كانت تقصد الاستيلاء على مركز السلطة واعلان نظام جديد لكن تضحيات الحرس الرئاسي اولا وتضحيات القوات المسلحة والتفاف الشعب السوداني مع قواته المسلحة وعدم الخروج مبكرا من المدن كما حدث في الاجلاء الذي قامت به البعثات الأجنبية، أربك المشهد ولكن تماسك الشعب السوداني والى الان لم نرى بحمد الله مخيم لنازحين ولا مخيم للاجئين لا في دول الجوار ولا بداخل السودان، هذه حرب المدن من سيئاتها يجب أن نتعلم هذه الدروس وربما يتم لاحقا اخراج كل الوحدات العسكرية خارج المدن في مناطق خلوية تقدم فيها الخدمات من مدارس وأسواق ومستشفيات ولكن تكون بعيدة حتى لا يحدث ضرر في المستقبل، وهو ما نعتبره كمصطلح عسكري الدروس المستفادة من الحرب ان يتم اخراج المعسكرات خارج المدن وتوفير الخدمات.
*في اليومين الماضيين سعادة الفريق البرهان أدلى بخطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ما هي قراءتك لهذه الكلمة خاصة في الجانب المتعلق بالدعم الإقليمي للمليشيا؟!*
طبعا هذا الخطاب خطابا ممتاز إيجابي جاء في وقته احتوى على عدو محاور المحور الأول المهم جدا هو إظهار انتهاكات مليشيا الدعم السريع على الشعب السوداني وعلى المؤسسات السودانية وافاض في هذا الاتجاه، أيضا المحور الثاني الهام كان إلتفاف الشعب السوداني وتمسكه بقيادته ومؤسساته الشرعية، المحور الثالث كان هو موقف دول الجوار هناك دول داعمة للمليشيا فتحت لها أبوابها امدادها بالسلاح وامدادها بالإفراد، وبالتالي مثل هذه الدول في تقديري لا مستقبل لها في العلاقات مع السودان، وهنالك دول داعمة للسودان وقفت معه وتستحق أن تكون في التحالفات القادمة معها.
المحور الرابع الذي تحدث فيه السيد رئيس مجلس السيادة للأمم المتحدة هو الخاص بمبادرات السلام ، هذه المبادرات السودان وافق عليها وجاهز للدخول في أي تفاصيل لكن اي جولة مفاوضات أخرى يجب أن تبنى على ما تم الاتفاق عليه في اعلان جدة 11 مايو 2023، بدون اعلان جدة تعتبر مفاوضات جديدة تبنى على مواقف عملياتية جديدة وبالتالي حسب تقديري كمتخصص في التفاوض ما تم التوصل إليه في جدة كفيل بإنهاء هذه الحرب إذا تم تنفيذه ، كانت هنالك حوالي 14 هدنة منذ بداية الحرب حتى الشهر السادس لكن لم يلتزم الدعم السريع بأي هدنة واستغل هذه الهدن لتوسيع عملياته شرقا ووسطا وغربا وبالتالي القوات المسلحة والحكومة لن تبدأ جولة جديدة مالم يتم تنفيذ ما اتفق عليه في اعلان جدة 11 مايو في العام الماضي.
*تجاوز عدد من قيادات الدولة والمراقبين حالة التحفظ من توجيه الاتهامات للامارات وضلوعها في دعم المليشيا، من وجهة نظر عسكرية ماهو التأثير المباشر لفضح علاقة الامارات بالمليشيا وضلوعها في حرب السودان*
طبعا كان هنالك تقريرين من الأمم المتحدة يوضحان عدد الطائرات التي هبطت في أم جرس والتي كانت تدعم مليشيا الدعم السريع وأنها كانت تأتي من الامارات، هذه التقارير تكفي للرد على الإمارات أيضا وجود بعض المستندات في نيالا والفاشر لضباط إماراتيين تؤكد ضلوعهم في هذه الأزمة، مسألة الرد او الحديث المباشر من قبل المسؤولين في تقديري هنالك قنوات سواء كان الخارجية أو الإعلام الرسمي يمكن من خلالها إصدار بيانات لكن نحن نعلم أن الوقت وقت حرب وصراع فبالتالي قد يحدث انفعال وتخرج كلمات لكن في النهاية كلها لا تتعدى مسألة الاتهامات بناءا على المستندات التي وردت في تقارير الأمم المتحدة ووردت في مستندات التي تم العثور عليها في مواقع عديدة بما فيها الخرطوم .
في الاسبوع الماضي تم تشيع حوالي 12 من الإماراتيين وأعلن أنهم قتلوا أثناء أداء الواجب لم يتحدثوا عن السودان لكن الجميع يعلم أن إصابتهم كانت خلال التعامل في مطار نيالا حيث كانوا يعملون على تركيب منصة دفاع جوي ضد الطائرات، فبالتالي هذه الأمور تحتاج إلى مستندات وإصدار قرارات دولية تمس العلاقات بين السودان ودولة الإمارات فبالتالي أرى أن الدولة لديها مستندات وتستطيع أن تبرز هذه المستندات في الوقت المناسب.
*ظلت مواقف المجتمع الدولي تجاه السودان متأرجحة مقارنة بما يحدث في دول أخرى رغم أن ما يجري في السودان يفوق الحروب بالدول الأخرى من انتهاكات وقتل ترقى لمستوى جرائم حرب؟*
طبعا حرب السودان أو حرب 15 أبريل تسمى (الحرب المنسية) والسبب في ذلك في تقديري ما حدث في غزة في نفس التوقيت بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، اخذت اهتمام كبير جدا من العالم واخيرا التفت العالم وتحدث بايدن لاول مرة بعد عام ونصف عن الحرب في السودان وايضا تحركت دول الجوار في اجتماعين اجتماع كان في القاهرة في يوليو من العام الماضي واجتماع قبل شهر بالقاهرة للقوى السياسية، كذلك زيارة رئيس الوزراء الاثيوبي إلى بورتسودان والقمة التي عقدت في جوبا للبرهان وافورقي ورئيس جنوب السودان كل هذه التحركات تؤكد ان هنالك اهتمام بما يحدث.
بالمناسبة ما حدث في السودان يؤثر على سبعة دول مجاورة بما منها 5 دول “حبيسة” ودولتين لهما تاثير مباشر في التقارب القبلي في السودان وتلك الدول لها تداخل القبلي وعرقي واضح في السودان.
*(مقاطعة).. هل نسمي هذه الدول؟*
نعم، مثلا اذا تحدثنا عن ليبيا واذا تحدثنا عن تشاد افريقيا الوسطى ومالي والنيجر هذه الدول لها تداخل قبلي بينها وبين السودان، هنالك دول حبيسة مثل جنوب السودان واثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى هذه دول حبيسة ليس لها موانئ، تعتمد على السودان اعتمادا كليا في مسألة الصادرات والواردات، وما توقف ضخ بترول جنوب السودان الا دليل على ذلك التاثير الاقتصادي.
اعتقد ان العالم انتبه اخيرا ان ما يحدث في السودان سيؤثر على 9 دول مجاورة وفي دول الساحل والقرن الافريقي وربما يعيق الملاحة في البحر الاحمر التي تنقل 90% من بترول الخليج الى العالم.
*بعد التحرك الاخير في لجنة حقوق الانسان والامم المتحدة ومجلس الامن، هل تتوقع خطوات دولية فاعلة لدعم جهود انهاء الحرب؟*
طبعا الخطوات الدوليه تتمثل في اتجاهين الاتجاه الاول دعم المفاوضات لايقاف هذه الازمة المسلحة في اقرب ما يمكن وهذا الامر ايضا يتطلب بعض المتطلبات، مثل وجود وسائل ضغط على الاطراف المتقاتلة، وجود رقابة على الارض ايضا وجود حلول في مسألة دمج المليشيا، اما تدمج في القوات المسلحة او تحل حسب قرار القيادة السودانية.
الاتجاه الثاني هو التدخل لأسباب إنسانية، اذا تاخرت هذه الحرب لاكثر من عام ونصف بالقدرات الضعيفه للاقتصاد السوداني ودول الجوار ربما يكون هنالك التدخل لاسباب انسانية من المجتمع الدولي وحينها سينفرط وقت السودان كما انفرط في العديد من الدول بسبب حاله التدخل الخارجي.
الى الان السودان بخير هنالك مناطق امنه استوعبت النازحين داخليا وهنالك دول جوار لم تقصر اتجاه السودان واستوعبت اللاجئين بشروط ميسرة، لا توجد حتى الان مخيمات للسودانيين، وهذا امر اثار اعجاب العالم.
هذين الاتجاهين احدهما سيغلب على الاخر، اما مفاوضات واما تدخل خارجي،، اما اذا تم الحسم العسكري سينهي الاتجاهين وميزان القوة الان يميل لصالح القوات المسلحة.
*كيف تقيم اثر الحرب على المدنيين والتحديات الإنسانية التي تواجهها البلاد في ظل هذه الظروف؟*
اولا التاثيرات المباشره توقف الاقتصاد السوداني، وهو اصلا اقتصاد ضعيف.
التحدي الثاني هو توقف التعليم العام والجامعي.
التحدي الثالث هو توقف التنمية البشرية، بمعنى اي عام بدون دراسة خصما على قدرات الشعب السوداني.
والتحدي الرابع هو تاثير السودان على الدول المجاورة انخفض على اقل من 2% وكان قبل اعوام حوالي 80 الى 90% من النواحي الفنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومن النواحي العسكرية والامنية حتى ان السودان كان مقرا لمجموعة السيسا وهم مدراء المخابرات القارة الافريقية، كل هذه الامور حدث فيها تغيير وتدهور كبير والسودان من الدول المؤثرة في الاتحاد الافريقي لذلك حدث تغيير كبير جدا الان موجود.
التحديات تتمثل في اعادة الاعمار باسرع ما يمكن هناك تدمير للبنيه التحتية والمدارس والجامعات والمتاحف، حتى المعلومات الخاصه بالسجل المدني وبالاراضي وكل الاجراءات القانونية الان تاثرت، جهد كبير جدا قامت به الشرطة السودانية بشجاعه نقلت جزء كبير من تلك المعلومات الخاصه بالجوازات والسجل المدني ولكن ما زالت هنالك بعض المعلومات ناقصة تحتاج لمجهود كبير لإكمالها، اعتقد ان التحالفات في السودان ستتغير المرحلة القادمة بناء على مصالح السودان وموقف دول الجوار من هذه الحرب سلبا او ايجابا.
*من خلال ما حدث في الخرطوم والجزيرة والفاشر والسقوط المتواصل لابرز قادة المليشيا هل يمكن القول بالاقتراب من اعلان إنتهاء العمليات العسكرية وانتصار الجيش؟*
من الصعب لاي محلل سياسي او خبير عسكري ان يحدد موعد انتهاء العمليات، هكذا عمليات تعتمد على خطوط الامداد، من يملك الامداد المستمر سينتصر ومن يملك الامداد البشري سينتصر ومن يملك الاعلام سينتصر ، هذه 3 متغيرات هامة جدا، لذلك من الصعب تحديد وقت معين لنهاية العمليات العسكرية، لكن اعتقد ان العام 2025 في بدايته سيكون له تأثير كبير جدا على مجريات الأحداث، اما حسم عسكري اما مفاوضات واما تدخل دولي.
*القوى السياسية تتحدث عن ضروره تشكيل حكومه مدنيه بصلاحيات واسعة، هل هنالك من ضروره لحكومة مدنية في ظل حرب متعددة الجبهات بالبلاد الآن تقودها قوى دولية وإقليمية؟*
كل هذه الأقاويل لا أساس لها من الصحة المطلوب الان حكومة إدارة ازمة من 10 وزراء كل وزير مسؤول عن قطاع وليس وزارة قطاع اجتماعي قطاع سياسي قطاع اقتصادي قطاع أمني قطاع علاقات دولية ثم أن تكون هذه الحكومة محكومة بأهداف، توضع بها اهداف في ستة أشهر تنتهي منها تنتقل إلى أهداف أخرى لمدة ستة أشهر، غير ذلك سنعود إلى الصراعات مرة أخرى فبالتالي لا بد من تغيير النهج التقليدي مثل حكومة من الأحزاب او حكومة من التكنوقراط من 33 وزير، هذا إهدار للموارد، لا بد من حكومة ادارة ازمة مختصرة محكومة بأهداف وعندما تنتهي الازمة يتم وضع الدستور كيفية تشكيل مرحلة التأسيس من بعدها المرحلة الانتقالية ثم الوصول للانتخابات.
*شهدنا خلال الأيام الماضية فرحة كبيرة في القاهرة وعدد من المدن السودانية وحتى الدول المجاورة بانتصارات القوات المسلحة في الخرطوم؟*
هذه تصرفات عفوية فالشعب السوداني معروف أنه شعب عاطفي يتحرك عند الحزن وعند الفرح لكن لا زال الوقت مبكرا لهذه الاحتفالات لا زالت المعركة تدور وهذه القوات التي عبرت الجسور الان تقاتل بالخرطوم لتثبيت مواقعها، بالمناسبة هذه العملية سميت (عملية العبور) بما تم من عبور الجسور .
هناك بنك أهداف من 400 هدف تم تنفيذ 200 هدف في الأيام الثلاثة الأولى وبعدها يستمر تنفيذ الأهداف الأخرى.
وبنك الأهداف من أهم أهدافه القصر الرئاسي، مطار الخرطوم، القيادة العامة والمقار الحكومية بشارع النيل، لذلك الشعب يفرح ليعبر عن فرحته لكن بمستوى لا يحدث انتكاسات إذا حدث العكس.
ايضا هنالك حرب إعلامية ضخمة من قبل المليشيا تتحدث عن تصفية جيوب أو تحرير المصفاة مثلا أو تحرير الفاشر ثم بعد ايام يكتشف المواطن انه حدث العكس فيحدث احباط نفسي، هذه الامور تسمي الحرب النفسية فيجب الإنتباه لها جيدا وتأجيل الفرح إلى يوم الفرح الكبير.
*كيف تقرأ السيناريوهات المحتملة لمستقبل السودان بعد إنتهاء الحرب؟*
طبعا سيناريوهات الحرب نفسها كالآتي..
السيناريو الأول انتصار احد الأطراف والكفة تميل الآن إلى القوات المسلحة.
السيناريو الثاني استمرار هذه الحرب إلى فترة أطول وهذا يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي وربما الوصول إلى الدولة الفاشلة.
السيناريو الثالث وهو سيناريو المفاوضات وهو أفضل السيناريوهات أن يجلس الطرفان للتفاوض إما دمج الدعم السريع أو حله حسب قرارات الدولة وبالتالي انتهاء الازمة.
السيناريو الرابع إذا لم يتم تنفيذ أحد السيناريوهات الثلاثة، ربما يتدخل المجتمع الدولي لأسباب إنسانية، وهذا مسموح به بموجب بنود الألفية الثالثة هنالك بند يسمح بالتدخل لأسباب إنسانية لأي دولة لا تحقق السلام والرفاهية لشعبها.
هذه هي السيناريوهات الخاصة بالحرب، أما السيناريوهات الخاصة بالدولة السودانية بعد تشكيلها وانتهاء الحرب هي:
اولا إعادة الإعمار يشترك كل السودانيون في هذا السيناريو لفترة طويلة، وحدوث نوع من الانكفاء الداخلي.
السيناريو الثاني أن تتغير التحالفات القديمة والعلاقات والصداقات مع الشعوب والدول حسب موقفها من السودان.
السيناريو الثالث أن يختار السودان دستور يرضي كل الأطراف وإدارة التنوع في السودان وصولا إلى دولة مستقرة بعيدا عن التفتت وبعيدا عن خطاب الكراهية والعنف في المستقبل.
*رسالة اخيرة او نصيحة لقيادات الدولة السودانية؟*
النصيحة هي.. يجب أن نضع قاعدة من كان جزءا من الازمة لا يجب أن يكون جزءا من الحل .
بمعنى، بعد هذه الحرب يجب أن يبرز جيل جديد يتحمل مسؤولية الإعمار ويتحمل مسؤولية العلاقات الجديدة وبناء الدولة ووضع الدستور ومن ثم بناء الجمهورية الرابعة للسودان في دولته الجديدة.
*شكرا سعادة اللواء د.امين*
شكرا ليكم في صحيفة المقرن، وسعيد بوجودي معكم وانتم درة الإعلام.