أحمد عبدالوهاب يكتب (فنجان الصباح): أل بيابا الصلح ندمان!!

Spread the love


لما هبط الامام الصادق المهدي طيب الله ثراه مطار الخرطوم في العام ١٩٧٧م كان ينشد
احتربت يوما فسالت دماؤها
تذكرت القربى فسالت دموعها
ولم تكن تفصل بين دموع السلام
ودماء الحرب وأحكام الإعدام وأعواد المشانق يومئذ أكثر من عام.
وما كان أكثر الناس تفاؤلا يتوقع أن يكون هناك لقاء تاريخي في بورسودان ومصالحة وطنية بينما دماء احداث يوليو ١٩٧٦م لم تجف بعد ودخان الحرائق والبارود لم تنقشع عن سماء الخرطوم بعد..

لقد مهدت تلك الخطوة التاريخية الطريق لمرحلة من الوئام الوطني و المعارضة السلمية امتدت لثمانية أعوام حسوما..
ان السياسي الحصيف هو ذلك الذي يرى في جولات الحوار وطاولة المفاوضات وجها من وجوه الحرب بوسائل سلمية.. يمكن عبر كل واحدة منها تعظيم الحصاد السياسي للدولة
ورفع انتاجية القرار الوطني لها..
ان الدولة التي لا ترى النصر الا عبر فوهة المدفع الرشاش دولة مصابة بالطشاش والعمي السياسي .. وهي دولة كالبطة العرجاء..

فمثلما هو مطلوب من أي نظام اقتصادي أن يتحاشى خطورة الاعتماد على مورد اقتصادي واحد حتي لا يقع في مصيدة (المرض الهولندي) فإنه يتعين على الدولة أن تنوع من خياراتها للتعاطي مع ازمات الحرب والسلام.. فتنويع مصادر السلاح ينبغي ان يقابله تنويع سبل البحث عن السلام.. وبنك اهداف وخطط المعركة بجب ان توازيه باقة من خيارات التهدئة ووقف النار واحلال السلام..

ان الحرب ليست هدفا في حد ذاتها.. بل هي كما عرفها الفلاسفة المسلمون (علاج لشذوذ لم تنفع معه الحكمة ولا الموعظة الحسنة)..
ومتى جنح الخصم للسلام تعين على الطرف الآخر الذكي أن يلتقط القفاز ويمضي به إلى نهاية الشوط .. فأحيانا قد يتحقق للاذكياء على الطاولة ما لم يتحقق على مسارح العمليات. وربما كانت المفاوضات والجهود السلمية تتويجا سياسيا باهرا لمجهود عسكري..

وما دعاني لهذه السردية في شأن الحرب والسلام ما أثارته مقالة رجل الاعمال المهندس عمر النمير رئيس مجلس ادارة نادي المريخ عن علاقات الشعبين السوداني والاماراتي والتي نشرتها صحيفة الكرامة الغراء من نحو اسبوع واثارت عاصفة من ردود الافعال مابين مؤيد ومعارض وقادح ومادح.. واكدت ان دور الكلمة والقلم في معركة الكرامة لا يقل عن دور البندقية.. وكانت ابلغ في الدلالة على ان شعبنا لازال برغم العنت والضيق وشظف العيش شعب قارئ ولماح ورغم كل الجراح يرنو بعين التفاؤل إلى غد سعيد وسلام مجيد.. وانه قادر على التقاط كل إشارة خضراء حتى في خضم العاصفة الهوجاء ومستعد لقبول كل بادرة سلام عزيز وسط هدير المدافع وازيز الرصاص..
اننا بحاجة إلى سلام شجعان سوداني.. يؤهلنا لان نكون ابطالا للسلام مثلما كنا دوما ابطالا في الحرب..

فما كان احد يتوقع ان يتعانق النميري والسيد الصادق وهو المحكوم عليه بالاعدام.. عناق اطلق صافرة البداية لمصالحة وطنية سمحاء.
وما كان احد يتصور ان تهبط طائرة الرئيس المصري الراحل انور السادات في مطار بن غوريون.. منهيا عقودا من الحرب مع الكيان الصهيوني.

ان الدعوة إلى عودة الصفاء مع هذه الدولة أو تلك لا تعني بالضرورة ان تتوقف العمليات العسكرية ضربة لازب.. لأن وقف إطلاق النار هو ثمرة لاتفاق سياسي أو عسكري.. ربما يأت لاحقا.. ولا احد يطلب ان تتخلى الدولة عن واجبها في حماية ارضها او تحرير مناطق محتلة او تطهيرها من رجس التمرد..

ومما يؤثر عن السياسي السوداني دكتور تيسير محمد احمد وقد كان ناشطا في التفاوض مع حركة قرنق إبان الفترة الانتقالية التي اعقبت انتفاضة ١٩٨٥م قوله (مثلما لم نطلب من الجيش ان يوقف القتال ضد التمرد.. لن نقبل طلبا من احد بوقف المفاوضات معه)..

نعم لتسير العمليات العسكرية وفق ماهو مخطط لها.. ولتمض مسيرة السلام كما نتمني لها..
نريد من العسكر ان يقوموا بواجباتهم القتالية وكأنهم لم يسمعوا بمفردة السلام يوما..

ونريد للساسة ان ينخرطوا في صناعة السلام وكأنهم لم يعرفوا مفردات الحرب ولغة الرصاص ابدا.. حتي تضع الحرب اوزارها..
وقديما انشد عكير الدامر في ذات المعني يقول:
جهاد المهدي سيف سلاهو أبيض ضاوي
وانت جهادك اللين بالهداوة تداوي
مختلفات السيوف إلا الضرب متساوي..

ولعل أوضح وافصح ما يمكن ايراده في ختام هذه السطور كدليل علي عشق شعبنا للوئام والسلام.. مقولته التي اضحت كالمثل السائر (ألبيابا الصلح ندمان).

aboody

Related Posts

(ضل التاية) بروفيسور ابراهيم محمد آدم: ألهذا جئت يا بريللو؟!

Spread the love

Spread the loveالمندوب غير السامي الأمريكي للسودان الذي سمي بالمبعوث هو امتداد لذات النمط الاستعماري الغربي الذي كان يسمي مناديبا في بعض الدول في ظل وجود سفراء وهذا نهج للاسف وافقت عليه حكومة الإنقاذ السابقة ولا يزال البلد يتجرع اليوم سمه زعافا.وما كان مبتدأ أن توافق الحكومة على استقبال مثل هؤلاء المندوبين الا في اطار المعاملة بالمثل وما أكثر المشاكل التي تعانيها امريكا وتتطلب ذات المكيالولسان حال…

عامر السيد (عامرون ) يكتب: الفاشر.. جمر القايلة

Spread the love

Spread the loveالفاشر خبرها شنو ..السؤال الذي يتردد كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعي مع كل صباح ..لأن فاشر السلطان تعمقت في الوجدان السوداني .. ملحمة تميزت بالخصوصية كيف لا وهي آداب العاصي ..وعاصمة سلطنة الفور التي كانت ترسل كسوة الكعبة الشريفة (المحمل)..وطعام حجاج بيت الله الحرام ..أهل الفاشر دافعوا عنها ببسالة ستبقي عنوان كبير في تاريخ السودان ..واهل الفاشر نقصد بها كل من رابط ودافع وأصيب أو…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You Missed

والي الخرطوم يتسلم قافلة الجعافرة لدعم الناجين من مذابح المليشيا المتمردة

  • من aboody
  • نوفمبر 21, 2024
  • 2 views
والي الخرطوم يتسلم قافلة الجعافرة لدعم الناجين من مذابح المليشيا المتمردة

شرطة المباحث المركزية بكسلا تستعيد سيارات منهوبة

  • من aboody
  • نوفمبر 21, 2024
  • 3 views
شرطة المباحث المركزية بكسلا تستعيد سيارات منهوبة

الناطق الرسمي باسم الحكومة يزور (سونا) ويدعو لضبط الخطاب الاعلامي

  • من aboody
  • نوفمبر 21, 2024
  • 4 views
الناطق الرسمي باسم الحكومة يزور (سونا) ويدعو لضبط الخطاب الاعلامي

اطلاق نار في جوبا بعد اعتقال جنرال سابق متهم بتنفيذ انقلاب تدعمه الامارات

  • من aboody
  • نوفمبر 21, 2024
  • 5 views
اطلاق نار في جوبا بعد اعتقال جنرال سابق متهم بتنفيذ انقلاب تدعمه الامارات

صفاء الأصم تكتب (شوشرة): مستعمرة الفراغ

  • من aboody
  • نوفمبر 21, 2024
  • 6 views
صفاء الأصم تكتب (شوشرة): مستعمرة الفراغ

توجيهات سيادية عاجلة بالاستجابة لمطلوبات الموسم الزراعي بولاية الجزيرة

  • من aboody
  • نوفمبر 21, 2024
  • 5 views
توجيهات سيادية عاجلة بالاستجابة لمطلوبات الموسم الزراعي بولاية الجزيرة
error: Content is protected !!