المدارس السودانية بمصر.. (الأزمة المتجددة)

بقلم: الغالي الزين
هل أصبح وضع المدارس السودانية في مصر معقداً لدرجة عدم المقدرة على اتخاذ القرار الفاصل؟ …
المدارس السودانية بالخارج ليست وليدة اليوم بل غرست بذرتها منذ العام ١٩٧٢م ، أي قبل أكثر من نصف قرن من الزمان . وكانت كل عام تبدي ينعها ، و تثمر ثمرها ، فتؤتي أكلها ، و ينداح فيضها على الجامعات المختلفة في السودان و خارج السودان ليتوج الإسم الذي جمعها في لافتة واحدة قلدت به إدارتها بالوزارة بمسمى ( ادارة مدارس الصداقة السودانية ) . و دلالة هذا الإسم أن هذه المدارس قامت على اتفقات و تفاهمات بين السودان و الدول التي أنشئت فيها المدارس أفضت ل( صداقة ) في رمزية هذه المدارس لتمتين العلاقات الثقافية و رفد الدبلوماسية الشعبية و تقديم الخدمة التعليمية لأبناء الجالية السودانية و الجاليات الصديقة . لذلك استمرت هذه المدارس منذ العام ١٩٧٢م بهدوء لم يعترها فيه حجر عثرة يحتاج لمن يزيله في
( العراق أو تشاد أو إيران أو ليبيا ) . و لم تأت من هذه المدارس شكوى من دول المنشأ إلا في إطار ظروف الحروب و التجاذبات السياسية التي تطرأ بين السودان و هذه الدول من حين لآخر فترمي بها في مستنقع الخلافات ، لكنها لم تستطع قطع دابرها للأبد ، لأنها قامت على أسس و اتفاقيات تبادل ثقافي و إلتزام تام بموجهات و احترام قوانين الدول التي تأويها .
هذه المدارس المذكورة إضافة إلى مدارس ذكرتها في مقال سابق لم تستطع الاستمرار لظروف مالية أو سياسية حددلها ( ٥٠ ) خمسون وظيفة من الديوان بمرتبات مجزية و كان ذلك في عام ١٩٩٧م …
استمرت هذه المدارس بنفس الوظائف إلى ما بعد العام ٢٠١٥م على ما اعتقد بدأت فيه إدارة هذه المدارس المطالبة بزيادة الوظائف و ترفيعها إلى ( ٧٦ ) وظيفة لتتمكن من تغطية النقص في المعلمين بها . و علمي أنها صودقت لكن لم تتم تغذيتها .
ظهرت بجانب هذه المدارس (مراكز ) امتحانات في الدول التي لم توافق على التصديق لمدارس صداقة بأراضيها ( السعودية و مصر ) تحديداً استنادا إلى المكاتبات المتبادلة و الموجودة في أضابير الإدارة العامة للعلاقات الثقافية بالوزارة . فتم التعويض عن المدارس بمراكز امتحانات في كل من مصر و السعودية و يوغندا و كينيا و باكستان بعيداً عن إدارة مدارس الصداقة و الإدارة العامة للعلاقات الثقافية حتى وكيل وزارة التربية والتعليم و كانت تتبع حصرياً للإدارة العامة للامتحانات التي تقوم بمنحها أرقام الجلوس و مراقبة امتحاناتها في الخارج و لم تخضع هذه المراكز لمراقبة إدارية و كانت تدار بواسطة أشخاص ليست لهم علاقة بالتربية و التعليم مما زاد في تمددها ، و اختلط فيها الحابل بالنابل ، و انفتحت الشهية التجارية في التعليم بالخارج .
يبدو أن تغيير اسم الإدارة من إدارة (مدارس الصداقة السودانية) إلى إدارة ( المدارس السودانية بالخارج ) أو التعليم السوداني بالخارج الذي صاحبته تعديلات في لائحة مدارس الصداقة لأول مرة (بعيداً) عن إدارة العلاقات الثقافية و المدارس السودانية كان الغرض منه توسيع العملية التعليمية بالخارج و (أخرى) يعلمها الذين قاموا بالتعديل . كانت الحجة في أن اسم مدارس الصداقة ( ماعون ) ضيق لا يسع أكثر من ( مدارس الصداقة ) و من هذا الباب دخلت المسارات بالسعودية و من محمدتها أنها قننت وصححت مسار تلك المراكز و أتمنى أن تنضوي تحت إدارة المدارس السودانية بالخارج و العمل تحت ضوء الشمس .
أما مراكز التعليم في مصر هي الأخرى أخذت في التوسع بطريقة هستيرية فتحت الباب للتمدد السريع بموجب خطاب (تكملة إجراءات ) يصدر من وزارة التربية و التعليم لا (يجوِّز) العمل به إلا بعد موافقة السلطات من الجهة المضيفة للمدرسة أو المركز ، لكن للأسف استخدمت هذه الخطابات في غير هدفها فتم الالتفاف عليها و فتحت هذه المراكز بموجبه و تمددت لسببين :
*هذه الخطابات لم تجد المتابعة من الوزارة .
*التراخي و التساهل في إنشائها في الدول المضيفة .
لذلك انداحت كالسيل كان من السهل السيطرة عليها قبل هذا التمدد المريع .
هنالك جدل كثير في أوساط المواطنين و أفراد الجالية السودانية في مصر حول دور حكومة السودان يرى الكثير منهم عن دراية أو عدم دراية أن الحكومة السودانية لم تقم بواجبها الأكمل لحل قضية المدارس السودانية في مصر .
توضيحاً لهذا الأمر كما كنا نقول دائماً أن ملف هذه المدارس لم يغب عن السفارة السودانية في يوم من الأيام و الدليل على ذلك المقابلات التي أجراها السفير عدوي و من كان قبله مع الجهات المصرية بخصوصها . كما أنها على مستوى الدولة كانت حاضرة في زيارات الفريق البرهان و الكباشي و مبعوث الرئيس وقتها دفع الله الحاج و السيد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة و الزيارات المتكررة للسيد محمود الحوري وزير التربية و التعليم لمصر .
كل هذه كانت جهود رسمية جادة لحل المشكلة و لم تثمر نتائجها غير ( مواعيد عرقوب ) ..
آخر هذه المجهودات برزت للسطح خلال الأسبوعين الماضيين ظهر فيهما السيد وزير التربية في لقاء مع مديري و أصحاب المدارس السودانية بمصر و خرج هذا الملتقى حسب تصريح الوزير ( ببشريات ) سيعلنها الملحق الثقافي قريباً و قد تساءلت في نفسي و كنت بعيداً عن هذا الملتقى :
لماذا لم يعلن الوزير هذه البشريات من على منبره الذي قال أنها ثمرة ثلاثة زيارات لجمهورية مصر الشقيقة ؟! …
بالأمس ايضاً طالعت خبراً للقاء السيد السفير عدوي بعدد من الإعلاميين المصريين و كان ملف المدارس السودانية حاضراً في اللقاء حيث قال السفير أن الجالية السودانية في انتظار مكرمة من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي للسماح لمدارسها بمزاولة نشاطها ، و قبله أصدر السيد المستشار الثقافي إعلاناً حذر فيه مديري و أصحاب المدارس من الإقدام على فتح المدارس و التسجيل لها و تحصيل رسوم من أولياء أمور التلاميذ لحين اعلان آخر . و يبدو أن المستشار الثقافي حافظ ( لوحه ) تماماً و استخدم دبلوماسية ( العشم ) حتى لا يحصر نفسه في إلتزام قد لا يتحقق سيما أنه يدري أن تفاصيل هذا الملف تقع تحت دائرة التعليم العام و هي الجهة المنوط بها الأعمال و القرارات الفنية في التعليم العام …
أنا في تقديري أن كل ما سبق من مجهودات كان دافعه حسن النية و الأمل في حل المشكلة ، لكن في نفس الوقت أرى أن دوافع حسن النية و التعلق بالآمال لن تكون نتيجته قريبة ، و إن قربت فلن تكون حاسمة لأن السلطات التعليمية المصرية لها رأي واضح في أن هذه المدارس تجاوزت لوائح و قوانين البلد لحد الفوضى و مثل هذه التصريحات لا يمكن حلها (بالجودية) إنما تحتاج للرجوع لجذور المشكلة و معالجة الأخطاء التي صاحبت إنشاء هذه المدارس و الاعتراف بها ،ثم الجلوس مع السلطات المصرية لتسوية الأمور في إطار الاتفاقيات الثقافية الموقع بين البلدين التي أعطت الحق لجمهورية مصر في إنشاء بعثة تعليمية متكاملة الأركان. و للأسف أن ملف البعثة المصرية يوجد داخل إدارة العلاقات الثقافية لكنه كان يدار بواسطة شخص واحد لا يخضع للحوار و المناقشة حوله داخل الإدارة في الوقت الذي كان يجب فيه أن يتبع هذا الملف لإدارة من إدارات العلاقات الثقافية و كان أقربها إدارة التعليم غير الحكومي و الأجنبي أو مدارس الصداقة حتى يخضع لتقييم و تقويم و متابعة …
اخيراً رأيي أن يوقف اصدار خطابات لغرض تكملة الإجراءات و العمل على دمج هذه المراكز في مجمعات تعليمية تقوم على شراكات بالتوافق تحت شعار ( لا ضرر ولا ضرار ) وفق ربط محدد و موجهات واضحة و قررات صريحة و قوية قد تقرب مسافة الحلول أن لم تعجل بمعالجتها …
و ما التوفيق إلا من عند الله …
و ما أردت إلا الإصلاح ..
٢٠٢٤/٨/٨ م .
إرسال التعليق