رحيل العظماء.. الدكتور عبدالعزيز عثمان
عندما يرحل العظماء تنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها في حياة الناس. عندما يرحل العظماء تنفطر لذهابهم القلوب، لكونهم حماة الأمة وركنها الركين، وصمام أمن قيمها ومبادئها.
نقف اليوم بمشاعر عميقة تشتعل فيها الحسرة والألم في موقع رثاء رجل قامة، قدم لوطنه الكثير واشتاق أن يقدم له أكثر.. رجل عمل ليل نهار لخدمة قضايا بلده الذي تآمر عليه القريب والبعيد، في زمن التبعية والهوان والردة عن المبادئ الناصعة والمعاني الجميلة.
عبدالعزيز عثمان واحد من العظماء الذين أنجبتهم الزورات، ووهبتهم شمائل وقدرات وطاقات متميزة ارتقت بهم إلى قمة المجد وذرى العمل والتضحية والعطاء.
مرات قليلة التقيت فيها بالدكتور عبد العزيز عثمان، ومن خلال الأخ صلاح سابكي وقد حرص على مرافقة عبد العزيز عند مروره بمدينة جدة وهو في طريقه الى دول شرق آسيا بحكم مسؤوليته وسعيه الدؤوب لتطوير الاتصالات في السودان ، ومرة أخرى التقيته في منزل عمنا عبد اللطيف عثمان رحمه الله تعالى حين طلب هو اللقاء بمجموعة من أبناء الزورات لشرح موضوع كيفية ايلولة مشروع الزورات الى أهل الزورات، وهذا كان هاجسه ، كان الرجل يحدثنا بصوت هاديء عميق وفي خشوع وكأنه في صلاة، حدثني الأخ أزهري أنه كان دائما كذلك ، يدرس، يؤدي عمله في خشوع تام.
في أواخر السبعينات ، حين قدّم الأخ أزهري شهادات عبدالعزيز الجامعية ليعمل في الميناء الإسلامي، كان خبراء شركة ماكنزي الإنجليزية هم الذين يفحصون ويقيمون الشهادات قبل أن تبت إدارة الميناء في امر تعيين أصحابها ، حين جاءنهم شهادت عبد العزيز، استغرب الخبراء كيف يسمح السودان بخروج تلك الكفاءات النادرة، قالوا ذلك في كل من المهندس عبدالعزيز عد الرحمن وعثمان فضل من كلتوس، وفي اللواء عثمان زين العابدين حين تقدم للعمل في الهيئة الملكية بينبع ، وفي المستشار القانوني مولانا محمد علي المرضي الذي أصبح فيما بعد وزيرا للعدل في السودان بعد أن قضى فترة في ميناء جدة الإسلامي وساهم في وضع قواعد وإجراءات الموانيء البحرية، وقد أوصى الخبراء بأن يعين عبدالعزيز مهندسا بالمينا فورا، لكن عبدالعزيز آثر السفر الى أمريكا لمواصلة دراساته العليا في الهندسة، ثم عاد ال السودان ليساهم في تطوير الاتصالات السودانية التي فاقت في تطورها كل الاتصالات حتى في الدول العربية الغنية جدا كما جاء ذلك في احدى حلقات برنامج جورج قرداحي “من سيربح المليون”.
هذا الذي نقوله عن عبد العزيز ، نقوله على وجه التحقيق لا الظن أو رجاء مدح زائف، فالرجل قد أفضى الى ما قدم من عمل عند مليك مقتدر، ولكننا نذكر أيضا ، ان الوطن الذي أخلص له عبد العزيز، وآثره على غيره من الأوطان، لم يقابل احسانه باحسان، بل قابله بالنكران، وضيّق عليه حتى أجبره على الهجرة مرة أخرى ولم يمكنه من العيش في وطن أحبه حتى الوله، ولله الأمر من بعد ومن قبل.
ربما لا يعرف الكثيرون سيرة حياة الدكتور عبدالعزيز عثمان الذي شكل نموذجا للإصرار والمواجهة والتحدي في كل الميادين العلمية والعملية وفي مختلف الأوقات والبلدان، ولا يدركون بعضا من صفحات هذا الرجل في مرحلة ما من مراحل حياته التي دونت بمداد المجد والفخار، على إيقاع مراحل وعهود زمنية عصفت بها التحديات وسرت فيها المؤامرات سريان النار في الهشيم
ذلك النبوغ الذي أظهره عبدالعزيز كان مدعاة الى أن تفتح عليه نيران التنافس (ان أحسنا الظن) أو الحرب ان لم نحسن الظن وكانت النتيجه ليس خروجه من مناصب كاتن يستحقها عن جدارة واستحقاق بل خروجه من الوطن الى منفاه الذي توفي فيه .
أنا هنا لا أكتب كلمات رثاء في حقه، ولكني أذكر أنه آن الأوان أن نقرأ صفحات إنجازاته وعطائه.. رحل عبدالعزيز وغاب عن مشهد الحياة، وانطفئت صفحة جسده الذي أنهكته مشاوير التطوير، لكن إنجازاته وأعماله ستظل متأججة تحكي عظمة انسان عصامي ظل وسيظل رمزا لنا وفخرا للزورات
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، صادق العزاء للدكتور العمدة واخوانه وأبنائه وذويه وكافة أهل الزورات..
سيف الدين عيسى مختار
جدة
إرسال التعليق