بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
الارض تنقص من اطرافها بموت العلماء ورحل ان دنيانا الفانية يوم الاثنين 21 اكتوبر 2024م بالقاهرة الاخ الاكبر الاستاذ الجليل / احمد جدو كركور.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير: إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له.
صبر الاستاذ احمد بالمرض ولم يفعل ما يخالف الشرع ولم ينوح، ولم يفعل ما حرمه الله، بل صبر واحتسب، دائما يقول الكلام الطيب وكان اكثرنا ثباتا وايمانا بقضاء والقدر ويقول لنا الموت هي الحقيقة الكبرى لا مفر منه ( انا لله وانا اليه راجعون ) والبقاء لله هم السابقون نحن اللاحقون.
قال تعالى (رْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
مدرسة كرنوي الاولية هي المدرسة الاولى في دار زغاوة بفضل راعي التعليم الشرتاي التجاني الطيب رحمه الله وتخرج منها الرعيل الاول من ابناء المنطقة منهم الاستاذ احمد وكان من اصغر التلاميذ سنا ومتفوق اكاديميا ودخل المدرسة الوسطى ومنها الي معاهد المعلمين ومعهد التربية بخت رضا التي تشرف على كل المعاهد السودان (امدرمان، شندي، الفاشر، الدلنج، كسلا، مريدي، اضافة لكليات المعلمات) خريجو معاهد التربية هم الذين ساهموا في التنمية وتطوير التعليم في السودان.
تخرج الاستاذ من معهد المعلمين وتدرج في سلك التدريس معلما وموجها ومشرفا ومديرا للتعليم والعلماء هم ورثة الانبياء مهنة التعليم من اشرف المهن وفي سماء نجوم ولكن نجوم الأرض وهم المعلمين، الطريق للسالكين والحيارى والتائهين.
الاستاذ احمد يعتبر من الاوائل المعلمين في المنطقة وكان للاستاذ ورفقاه من الاساتذة الاجلاء كالنجوم وهم اصحاب الرسالة المقدسة والدور الاكبر في التنمية البشرية وظهور جيل متعلم ومثقف واساس تكوين بشخصية الفرد من جيلنا وكانوا اداة التغيير نحو الافضل وكل منهم يتفرد ويتميز بشخصية الفريدة وطريقة الخاصة في التربية والتعليم (الصوفية قالوا لكل شيخ طريقة في تدريس والهدف واحد) كان الاستاذ احمد القدوة الحسنة المنظر اللائق الشخصية يحمل امانة ورسالة التعليم، الدقة والانضباط في الوقت، الذكاء والفطنة والموضوعية في تناول الامور وحسن الخلق والبشاشة يمتلك روح الدعابة والمرح اضافة للهيبة والشموخ وكان في فصل ينتبه ويركز في الفروق الفردية بين الطلاب ومعاملة الطلاب بشكل حضاري ولا يلجأ للتوبيخ والعقاب المباشر يغرس فينا المفاهيم الحميدة والطاعة بالتأثير وربط المادة بالواقع .
كنت واخوتي نمشي خلفه من المنزل الي المدرسة ومن المدرسة الي المنزل دون اي حواجز تذكر مع الانضباط اتذكر دروس الجغرافيا من خريطة الفصل الي تفتيش الكنز المدفون خارج المدرسة وفي الفرقة الرابعة لا ندرك اي شئ خارج البيئة المحلية ولكنه طاف بنا لاول مرة نعرف العالم والقارات افريقيا واسيا واوربا واميركا واستراليا والجبال والانهار وكان الدرس شيق وتخيلنا ونقلنا الي جبل مرة ومن ثم وادي نهر النيل وادي نهر الامازون وجبال الإنديز والمسيسبي ووادي نهر جانج وادي نهر الزمبيزي وجبل كلمنجارو.
والاسره الصغيرة بيت علم ومعرفة ساهمت مساهمة كبيرة وفعالة في التعليم وعمل الاستاذ احمد نصف قرن من الزمان معلما في كل انحاء دارفور وفي جمهورية اليمن العربية هو وزوجاته الفضليات الاستاذة امنة التجاني الطيب وفيما بعض مديرة مدرسة الام شرق مسجد الفاشر الكبير (اول مدرسة بنات في اقليم دارفور) والاستاذة روضة محمد عرجة مديرة مدرسة قارسلبا وبيته حق بيت العلم.
وفي مجال الادارة والسياسة عمل مديرا للتعليم في مناطق مختلفة من دارفور والمدير التنفيذي لمحلية كرنوي ومن قبله رئيسا لمحلية كرنوي وكان من قادة الاتحاد الاشتراكي في عهد المشير جعفر محمد نميري وتقلد عدة مواقع في المؤتمر الوطني واخرها رئيس االمؤتمر الوطني محلية كرنوي وكان نشطا في الحركة الاسلامية منذ كان طالبا و والد الشهيد محمد احمد جدو.
انه عميد الاسرة كبير العائلة صاحب المشورة ومستودع الاسرار لا يفرق بين الكبير والصغير حسن خلق والبشاشة قاضي حوائج الناس يتقدم في حل المشكلات يحترم افراد الاسرة وعلاقته بجميع العائلات الاخرى والمجتمع اهلته ليكون مكان الثقة للجميع وكان لنا هو الملجأ في امور الصعبة والمعقدة وسند الجميع في الازمات استفاد الاهل من خبراته وتجاربه في حياة وبالاخلاق والكرم والمحبة والحكمة والوقار وكان دليل تماسكنا .
الاستاذ احمد قيادي متميز منذ الصغر من الذين اختصهم الله في قضاء حوائج الناس حببهم للخير وحبب الخير اليهم وقضى عمره في خدمة الاخرين وملتزما بقضايا المجتمع والتعرف لاحتياجات الاخرين مرنا صادقا امينا سهل التعامل كريما وفيا وكادر في العمل الوطني من المدرسة الوسطية يتحمل المسؤلية يسعى دوما للتوافق والتراضي والتعاون وقبول الاخر يتواصل مع الجميع ويتجاوز الماضي وصاحب راي والمشورة .
نسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه ويكرم نزله ويوسع مدخله وأن يجازيه بالحسنات إحسانا وعن السيئات عفواً وغفرانا .. وأن يغسله بالماء والثلج والبرد وأن ينقيه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .. وأن يخلف عليه بدار خير من داره وأهل خير من أهله .. وأن يرزق ذويه الصبر والسلوان.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)
محمد آدم أحمد التوم
22 اكتوبر 2024م