د عبدالكريم محيي الدين يكتب:المختصر
هي ليست مجرد حرب و إنما … 2-2
إن التدمير الكامل لبنية الدولة و أصول الشعب ( تاريخه ، مكتسباته ، نسيجه ديمغرافيته ..) يعكس مخططا يستهدف السودان و انسانه …
لم تكتف المليشيا بتدمير البنيات التحتية و الاصول الثابتة و المتحركة للدولة فحسب ، و إنما صاحب ذلك تدمير كلي للهوية السودانية …
استهدف ذلك الخراب المتاحف و دور الوثائق التي تعكس حضارة السودان و اسهاماتها البشرية على امتداد التاريخ …
حيث انتهبت جميع المتاحف السودانية ( المتحف القومي ) ( متحف الخليفة ) و جلبت محتوياتها في أروبا و في دول مجاورة بل بيعت بأبخس الاثمان في اسواق دقلو و سوق الحر و معابر الحدود …
و لم تخف المليشيا من القوانين الدولية التي تحمي الاثار . و كأنها تستند على جدار دولي يحميها فأمنت العقوبة و عاثت في آثار الحضارة السودانية فسادا مريعا لتمحو ما قدمه اجدادنا على مر العصور …
و صاحب الحملة التي تشنها المليشيا على الاثار ، صاحبتها حملة أخرى عبثت بالوثائق المهمة فحولت ما تحتاجه الى اماكن اخرى و أحرقت المتبقي في عمل عدواني شديد التعمد …
حيث لم تسلم دار الوثائق السودانية و لا مكتبات الجامعات العريقة التي يحتفظ الشعب السوداني بوجدانه فيها …
مع محو التاريخ امتدت يد الغزاة إلى مكتسبات السودانيين ، إذ تم تصدير جميع ماكنات و معدات المصانع السودانية و مدخلاتها إلى دول غرب إفريقيا إذ يقدر النهب و التلف في قطاع الصناعة وحده بأكثر من مائتي مليار دولار …
و يطال الدمار الزراعة بكافة وسائلها و مطلوباتها . غربي امدرمان و شرق النيل و مشروع الجزيرة و المشاريع المروية في النيل الابيض و الفاو و غيرها . هذا القطاع تضرر بأكثر من غيره إضافة إلى تعطله و نهب انتاجه و مدخراته و تشريد عماله و ملاكه …
انتهبت جميع بيوت المواطنين محل الاحتلال المليشي و لم تسلم الابواب و الشبابيك بل لم تسلم المظلات و ( الرواكيب) و الارضيات . تعرضت جميعها بعد النهب للتدمير المقصود فصارت المنازل اطلال و انقاضا تصعب العودة إليها إلا بإمكانيات كبيرة …
بل تفككت خزانات المياه فوق الاسطح و الخزانات الارضية و تركت النهابون المياه تغرق ما تبقى من المنازل المنهوبة في عمل اجرامي يشيب له الولدان …
ليس ذلك فحسب بل عمدت المليشيا لحفر الجدر لتصل منزلا بالاخر ( نفاجات ) و طرقا خفية داخل البيوت ( بيوت الصبر ) ( جحور الفئران ) لتستكمل بذلك عملياتهما اللاأخلاقية …
و الذي يندى له الجبين و لم يخطر على قلب بشر ان المليشيا تأتي المواطنين فتأخذ اللقمة من فم الصغير و تنزع شربة الماء من يد العجوز ثم تذهب بكل ذلك لا يطرف لها جفن …
تعرض الفتيان للضرب و التعذيب و الاعتقال و التجنيد القسري و تعرضت الفتيات للاغتصاب و السبي و لبيعهن علنا في اسواق تشاد و النيجر …
المحرقة التي تعرض لها الشعب السوداني على يد المليشيا المرتزقة أشد فظاعة من تلك التي تعرض لها اليهود إبان الحرب العالمية الثانية على يد النازيين . حيث احرقت قرى بكاملها ومن فيها من الاطفال و النساء و العجزة في دارفور و تعرضت معسكرات النازحين للقصف و التدوين …
و مع ذلك كله اثار الغزاة نعرات الكراهية و تمزيق المجتمعات ( جلابة ، دولة 56 ، زرقة ، عرب ، كيزان ، فلول ، اسلاميين ارهابيين ، نيليين …) و اشتروا ضعاف النفوس ( متعاونين ) ليقتلوا بهم جيرانهم و مساكينهم في الاحياء كي يمتد الصراع بعد الحرب …
و احلت المليشيا سكان غير السكان و مواطنين غير المواطنين و اعطتهم صكوك امتلاك المنازل و أوهمتهم بالملكية و الاحقية . حصل ذلك في دارفور و كردفان و حتى في العاصمة القومية و الجزيرة …
وما حصل في الجزيرة تفرقة عنصرية مقصودة ، و صناعة نزاع بطرق مدروسة . مازالت تداعياته بين السكان الاصليين و الوافدين من اهل الكنابي تشتعل ولو لم تتدخل عقول الحكماء سيكون ذلك خطرا عظيما على اهل هذه المناطق الامنة …
هي ليست مجرد حرب بين الجيش الوطني و الغزاة المرتزقة فحسب و إنما هي مخطط غربي كامل الخطط و المراحل و الوسائل ووافر العدة و المعدات . لإن فشل في الاستيلاء على السلطة ، فقد يحقق اهدافه في تمزيق الدولة و تاخير تنميتها و يزرع الفتنة بين شعبها ، ثم يضع قنابله الموقوتة و ألغامه المدفونة و ينهزم . لتقوم بعده البراكين فتقضي على الاخضر و اليابس و تقضي على الحي و تخرج الميت من قبره فتنة متجددة و حروب مستدامة …
نحن بحاجة كبيرة جدا لمواصلة الانتصارات على الاهداف الخفية للحرب ضد السودان . نحن بحاجة كبرى لاعمال الدراسات العميقة لننتصر على الاهداف الخبيثة لتلك الحرب . و اكرر ؛ انتصار الجيش وحده ليس بكاف على صناعة الاستقرار و اعادة التنمية . يجب مساعدته بطرق اكثر علمية و اوسع دربة و أكبر خبرة اللهم ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد …
إرسال التعليق