بقلم: د. لؤي عبد المنعم محمد/ خبير مصرفي
كما هو معلوم و لكسب الحرب الاقتصادية المفروضة على روسيا قام البنك المركزي الروسي بتعيير قيمة العملة الروسية (الروبل) مقابل قيمة محددة من الذهب، فحدد مبلغ 5000 روبل لكل غرام واحد من الذهب، و اعلن وقتها عن شراءه الذهب من البنوك التجارية الروسية خلال فترة ثلاثة اشهر من 28 مارس – 30 يونيو 2022، و كسب الحربين العسكرية و الاقتصادية بعد ان ربط شراء النفط و الغاز و القمح الروسي بالروبل المعير بالذهب، فاجبر دول الاتحاد الاوروبي على دعم الروبل فحافظ بذلك على استقراره الاقتصادي، مما انعكس ايجابا على الوضع السياسي و العسكري، و منذ ذلك الحين لم تتوقف روسيا عن شراء الذهب المعروض للبيع عالميا، و سبقتها في ذلك الصين، و اذا اراد السودان التبادل التجاري مع روسيا بالعملات المحلية في ظل الحرب المفروضة عليه، ليوقف الانهيار المتواصل للجنيه السوداني مقابل الدولار، يتعين عليه القيام بتنفيذ مصفوفة متكاملة و متدرجة خلال فترة زمنية قصيرة و هي كما يلي:-
اولا: تنظيم حملة كبيرة على تجار العملة لوقف التدهور المتواصل في العملة لانه يؤثر بصورة مباشرة على الاسواق و الايرادات العامة و هيكل الأجور و السيولة المصرفية و حساب التكاليف في عملية تبديل العملة لاحقا. و الحملة ينبغي ان لا تتوقف بتوقيف عدد من تجار العملة و تغريمهم، بل ينبغي ان تستمر طيلة فترة تنفيذ المصفوفة على اقل تقدير.
ثانيا:اطلاق منتج مصرفي لتعزيز السيولة مرتبط بالذهب لان السودان لديه فيه ميزة نسبية، و كنت قد اقترحت في مطلع فبراير 2018 الجنيه الذهبي الادخاري المحصور التداول داخل المصارف، و سبق ان تحدثت عن خصائصه بالتفصيل موضحا انه ليس بديل للعملة الوطنية لكنه يحفظ رؤوس اموال المواطنين و التجار و اصحاب المشارع الصغير و المتوسطة و البنوك (بنسبة محددة) من التإكل، الى جانب كونه يحد من الطلب على الدولار خارج الحاجة للاستيراد. و هو شبيه بالعملات الرقمية التي تتعدد منصاتها الموصولة فيما بينها على الشبكة العنكبوتية، من حيث المضاربة داخل البنوك السودانية حيث يتم فتح حسابات قابلة للتداول بالجنيه الذهبي الادخاري داخل و بين البنوك المحلية فقط، و من شان ذلك ان يعزز ارباح البنوك من ناحية زيادة الايداعات و بالتالي ارصدة التمويل من جهة و عمولة البيع و الشراء من جهة ثانية بصفتها وكيل لزبائن البنك و الراغبين الجدد في الاستثمار. لكن ما يميز العملة الذهبية المسكوكة التي اقترحت لها اوزان 10 و 25 غرام عن العملات الرقمية انها تمثل اصول حقيقية قابلة للتقييم و التمويل فضلا عن كونها ضمانة للقروض الشخصية و بين البنوك داخليا و خارجيا. و ان كانت العملات الرقمية مؤخرا اصبحت واسعة الانتشار و مستخدمة في التجارة الدولية و تصرف قيمتها الموازية للدولار عبر البنوك، الا انها اعلى مخاطرة في تقلباتها من الذهب.
ثالثا: يقوم بنك السودان بالتنسيق مع وزارة المالية و وزارة المعادن بتوظيف نسبة محددة من ايرادات الجمارك و الضرائب و حصائل تصدير الذهب و التجارة الخارجية الى جانب الاقتراض من البنوك بشراء الذهب من المعدنين الاهليين و شركات الكرتة و الامتياز بكميات كبيرة اكثر من السابق، عبر تكثيف المراقبة على الموانئ و المعابر و المطارات من جهة و الشراء بسعر البورصة العالمية بدون استقطاعات من جهة اخرى، و من شان ذلك الحد من تهريب الذهب كليا.. و من ثم يقوم البنك المركزي بسك الذهب في عملات و بالاوزان المشار اليها اعلاه و طرحها للبيع في نوافذ عبر البنوك في الفروع الرئيسية كعملة ذهبية ادخارية محصورة التداول داخل البنوك، و من شان ذلك توفير عمولة للحكومة جراء السك، هذا الى جانب زيادة حجم الاحتياطيات من الذهب، و التي تؤثر بشكل مباشر على قيمة العملة الجديدة المعيرة بالذهب.
4- يقوم بنك السودان بطباعة عملة جديدة معيرة بالذهب واقترح (5000 جنيه لكل غرام من الذهب شأن الروبل الروسي) خلال فترة لا تزيد عن ثلاثة اشهر و هي ذات الفترة التي سيتم فيها تكثيف الجهود لشراء الذهب من المعدنين و شركات التعدين، و تقوم وزارة المالية بتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لذلك (30-40) مليون يوروا.
5-يتم استبدال العملة القديمة خلال فترة لا تتجاوز 30 يوم عبر البنوك و 45 يوم عبر فروع البنك المركزي، و من شان ذلك سحب العملة من التجار عموما و تجارة العملة على وجه الخصوص مما يحد من المضاربة على الدولار، و ضخها في البنوك للاستفادة منها في التمويل، جهة ان الاستبدال يتم بنسبة 10٪ نقدا و الباقي في الحساب للافراد و 20٪ نقدا بالنسبة للشركات و المؤسسات، و يفيد كذلك في تحصيل الضرائب و الزكاة المتأخرة على الشركات و الغاء قيمة العملة المسروقة لدى المليشيا.
6- يتم بعد ذلك فتح حساب متاجرة لدى البنوك المركزية في كل من روسيا و السودان و الصين.. الخ لبدء التبادل السلعي بالعملات المحلية المقيمة بالذهب، و من شان ذلك تعزيز قيمة الجنيه و سرعة تداوله في المصارف و الصرافات العالمية جهة ثبات قيمة الذهب نسبيا مقارنة بالدولار المنخفض عالميا الا في السودان لظروف الحرب و الحصار.