في اليوم العالمي للتلفزيون… الخرطوم تُكرّم صُنّاع الصورة وتستحضر تضحيات الإعلاميين في زمن الحرب.

.

المقرن-آمال حسن

يمثّل اليوم العالمي للتلفزيون مناسبة عالمية للاحتفاء بأهمية الإعلام المرئي ودوره في تشكيل الوعي العام، وتعزيز قيم السلام، وتوثيق اللحظات الكبرى في حياة الشعوب. إلا أن هذا اليوم يكتسب معنى مختلفًا في السودان، حيث شهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة أحداثًا استثنائية وضعت الإعلاميين في قلب المواجهة، وجعلت كاميرات التلفزيون شاهدة على معاناة الناس وتحوّلات الحياة اليومية تحت وقع الحرب. وفي هذا السياق، جاءت فعالية تكريم الإعلاميين بالخرطوم لتعيد الاعتبار لدورهم، وتسلّط الضوء على شجاعة من وقفوا خلف الصورة في لحظات كان الاقتراب فيها من الحقيقة محفوفًا بالخطر.أقيم بمدينة الخرطوم أمس احتفال واسع باليوم العالمي للتلفزيون، وهي مناسبة حرصت فيها الجهات المنظمة على تكريم عدد من الإعلاميين والعاملين بالقنوات الفضائية الذين ظلوا في الميدان خلال فترة الحرب، وواصلوا أداء مهامهم رغم الظروف الأمنية المعقدة. وجاء التكريم بمركز الشهيد عثمان مكاوي، بمشاركة التلفزيون القومي، وقناتي النيل الأزرق والخرطوم، إلى جانب مراسلي عدد من القنوات العربية والعالمية الذين قدموا تغطيات مباشرة نقلت للعالم ما يجري على الأرض بلا تزييف أو مبالغة.وشهدت الفعالية تقديم أوراق عمل علمية من خبراء وأكاديميين تناولوا بالتحليل مستقبل التلفزيون في ظل صعود منصات التواصل الاجتماعي، والضغوط التي تمارسها هذه المنصات على القنوات الفضائية التي تجد نفسها في سباق لالتقاط الحدث قبل انتشاره عبر “البث المباشر” على الهواتف المحمولة. وحذّر المتحدثون من أن غياب التطوير قد يؤدي إلى تراجع دور التلفزيون، مؤكدين أن الحل يكمن في الاستثمار في المحتوى النوعي والتحقيقات المتعمقة والمواد التي لا يمكن للمنصات السريعة تقديمها بالعمق ذاته.وأكد المشاركون أن التلفزيون، رغم المنافسة الشرسة، ما يزال يتمتع بميزة كبرى تتمثل في قدرته على تقديم المادة الإعلامية ضمن سياق مهني ومصداقية مؤسسية، وهو ما يجعل تطوير الرسالة الإعلامية ضرورة وليس ترفًا. كما شددوا على أهمية تدريب الكوادر الإعلامية وتأهيل المراسلين للتعامل مع البيئات الخطرة، خاصة في دول تمر بظروف مشابهة لما يعيشه السودان.وفي كلمته خلال الاحتفال، ثمّن وزير الثقافة والإعلام والسياحة بولاية الخرطوم، الأستاذ الطيب سعد الدين، مبادرة الاحتفال باليوم العالمي للتلفزيون، ووصفها بأنها لفتة نبيلة تُعيد الاعتراف بجهود العاملين في هذا القطاع الحيوي. وأشار إلى أنّ العديد من الإعلاميين قدّموا أرواحهم وهم يقومون بواجبهم المهني، مستشهدًا باستشهاد المقدم حسن ورفاقه من مركز الشهيد عثمان مكاوي، إلى جانب عدد من كوادر التلفزيون القومي الذين لقوا حتفهم أثناء تغطية المعارك.وأضاف الوزير أن “المشهد الإعلامي في الخرطوم خلال الحرب كان مثالًا للشجاعة المهنية والمسؤولية الأخلاقية”، مؤكدًا أن هناك الكثيرين ممّن يستحقون التكريم، لا سيما الصحفيين الذين ظلوا مرابطين في مدينة أم درمان، متواجدين بين الجرحى والشهداء في المستشفيات والمقابر، موثقين الأحداث رغم المخاطر المستمرة.كما عبّر الحضور عن تقديرهم للجهود التي بذلها مراسلو القنوات العالمية، الذين واجهوا تحديات لوجستية وأمنية كبيرة، لكنهم حافظوا على خط اتصال مفتوح بين السودان والعالم. وأكد عدد من المكرّمين أن هذا التكريم يمنحهم دفعة معنوية للاستمرار في أداء رسالتهم، ويذكّرهم بأن دور الإعلام لا يتوقف مهما اشتدت الأزمات.ولم تخلُ الفعالية من لحظات مؤثرة، إذ عُرضت لقطات أرشيفية لزملاء رحلوا أثناء أداء مهامهم، مما أثار موجة من المشاعر بين الحاضرين، وذكّر الجميع بأن العمل الإعلامي في أوقات الحرب ليس مجرد مهنة، بل مسؤولية إنسانية ووطنية.جسّد الاحتفال باليوم العالمي للتلفزيون في الخرطوم هذا العام معنىً أعمق من مجرد مناسبة احتفالية، إذ أعاد التأكيد على أن الإعلاميين هم جبهة متقدمة في مواجهة الأزمات، وأن تضحياتهم لا تقل عن تضحيات من يحملون السلاح دفاعًا عن الوطن. كما فتح الباب لنقاش جاد حول مستقبل التلفزيون في السودان، وضرورة توفير بيئة آمنة ومهنية لصنّاع المحتوى المرئي. ويأمل المشاركون أن يكون هذا التكريم خطوة أولى ضمن مسار طويل يعيد إلى الإعلام مكانته الطبيعية كسلطة رابعة وحجر أساس في بناء الوعي وصناعة الحقيقة.

إرسال التعليق

You May Have Missed

error: Content is protected !!