معرفتي بالزعيم المناضل الجسور مالك عقار اير تعود إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي في اتحاد شباب السودان علي ايام حكم الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري، ولكن تواصلنا مع بعض انقطع لفترة طويلة، استمر طوال سنوات وجوده في الحركة الشعبية، ولم التق به حتى بعد عودته الأولي بعد سلام نيفاشا عام ٢٠٠٥م، ولم اتواصل معه حتى بعد أن صار جزءا من الحكم بعد السلام، وزيرا للاستثمار، ثم حاكما لاقليم النيل الأزرق، وكان اول تواصل لي معه في العام ٢٠١٤م، ضمن اتصالاتي سعيا وراء تحقيق توافق بين القوي الوطنية السودانية، ثم انقطع التواصل مرة اخري حتى عودته الثانية بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨م، وحتى بعد أن صار عضوا في مجلس السيادة لم تتجاوز لقاءاتي معه المقابلات العارضة، اول تواصل مباشر كان ليلة سبت الغدر والخيانة الرابع عشر من شهر أبريل عام ٢٠٢٢م، وكان ذلك بعد أن اضافوني إلى مبادرتهم التي كانت تستهدف نزع فتيل الأزمة قبل اشتعال الحرب، وكان معه زملاؤه قادة حركات الكفاح المسلح الوطنيون، الدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، والسيد مني اركو مناوي قائد حركة وجيش التحرير، وكان معهم صديقنا الدكتور محمد عيسي عليو.

اللقاء الأول المباشر بعد ذلك، والذي صار له ما بعده، هو اللقاء الذي نظمه الاتحاد العام للصحفيين السودانيين برعاية القائم باعمال سفارة السودان في مصر السفير محمد عبد الله التوم في بيت السفير السوداني بالمعادي، وهذا كان اول لقاء عام للسيد عقار بعد تعيينه نائبا لرئيس مجلس السيادة، حيث التقي الصحفيين والاعلاميين السودانيين في مصر قبل أن يصل العاصمة الإدارية بورتسودان ويؤدي القسم نائبا لرئيس مجلس السيادة الانتقالي.

في ذاك اللقاء قدم ملك أوراق اعتماده زعيما لأمة السودان، وقائدا لمسيرة شعبه لبناء وتأسيس وطن جديد يسعنا جميعا، لا فضل فيه لأحد علي احد الا بصدق انتمائه، وجزيل عطائه.

في ذاك اللقاء قدم ملك معان ومصطلحات ومفاهيم تمثل الركائز الأساسية لعبور جسر اكبر محنة ، المت بشعبنا ومرت بها بلدنا، وتمثل خارطة طريق لبناء سودان المستقبل الواعد الناهض.

اول ما فعله مالك انه أعاد تسمية هذه المرحلة بما يناسبها، فبينما كان الناس جميعا يقولون عليها الفترة الإنتقالية، أسماها عقار مرحلة التاسيس، وشتان بين الانتقال والتاسيس، فالذين يتحدثون عن الانتقال لا يتجاوز فهمهم للمرحلة من نقل السلطة من مجموعة إلى مجموعة، اما التاسيس فلا بد أن يقوم علي قواعد متينة يرتكز عليها بنيان الدولة، وتستند عليها علاقات المواطنين.

وبينما كان الناس يتحدثون عن مبادرات هنا وهناك لحل الأزمة السودانية، قال عقار أن كل المبادرات الخارجية مسمومة وملغومة، وأن الحل يكمن في حوار سوداني سوداني شامل داخل ارض الوطن، لا يستثني أحدا، ولما استفسره احد الزملاء بما يعني “لا يستثني أحدا” قال له عقار، وقد فهم ما يعني “أيوه.. لا يستثني أحدا، حتى الاسلاميين والمؤتمر الوطني يجب أن يشاركوا في الحوار”

ولعل الناس يذكرون انه لما ألجمت صدمة اجتياح المليشيا حاضرة ولاية الجزيرة ود مدني، ولم يفتح الله علي احد بكلمة، كان عقار وحده من تكلم، ووضع النقاط فوق الحروف، وسمي الأشياء بأسمائها، وكان حديثه بسلما أشفي كل العلل، وأعلن كثيرون مبايعتهم للملك زعيما لأمة السودان، وحديثه ذاك كان الملهم بالنسبة لنا لتأسيس الجبهة الشعبية السودانية، التي لا تزال، وستظل بإذن الله تعالى تراهن علي ملك قائدا وزعيما.

أن موقع السيد مالك عقار في خارطة السودان اليوم، اكبر من اي منصب سيادي أو سياسي أو تنفيذي أو غيره، رغم ان هناك مواقع ومناصب لن يصلح فيها احد غيره، ولكن موقعه الحقيقي انه زعيم وقائد، ورائد لمسيرة السودانيين كلهم، ليس ذلك بما يمتلك من تجارب وخبرات لا تتوفر لاحد غيره فحسب، ولكن لانه قبل ذلك يكاد يكون وحده الذي يجسد السودانوية التي افترع مصطلحها الراحل البروف احمد الطيب زين العابدين، فعقار ليس له انتماء ولا التزام، ولا وطن ولا موطن غير السودان، وطنه السودان، وحزبه السودان، ودينه السودان، وأهله السودان، وشعبه السودان، ولا أجد له مثيلا في قومه، وبين شعبه، غير المناضل نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا.

ولا بد من الإشارة هنا إلى الموقف القوي والشجاع الذي سجله ملك امس بانسحابه من منتدي السلم والأمن الافريقي الذي تنظمه مؤسسة السيد امبيكي احتجاجا علي وصول وفد من المليشيا المتمردة الخائنة الملعونة بقيادة المجرم القوني.