مؤكد ان الآثار البيئية والاقتصادية والإجتماعية لحرب الخرطوم التي بدأت في 15 أبريل الماضي والتي توشك أن تدخل شهرها الثامن.. تعتبر آثار كارثية كبيرة بل فوق التصور وعميقة بما احدثته في نفوس السودانيين من آلام فادحة بعد ان كانوا ينعمون بالأمن والسلام والطمأنينة لوقت قريب.. قبل أنسداد الافق بين النخب السياسية والعسكريين والذهاب في التخطيط وتنفيذ انقلاب فاشل خلط جميع الأوراق.. لكن سرعان ماتكشفت الحقيقية من خلال صمود الجيش الذي احبط المؤامرة.. لذلك آن الأوان للنظر لهذه الحرب من زاوية أخرى.. أكثر تجردا ووطنية.. ليتسع أفق المفاوضون للحل.
فالوسطاء في منبر جدة.. المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية يبذلون جهدا مقدرا لأجل إحلال السلام فقط يحتاجون لممارسة ضغط اكبر او ربما إضافة مزيد من الوسطاء للمنبر لتسريع عملية وقف الحرب والانتقال للعملية السياسية.. كذلك علي مستوي كافة المبادرات الهادفة لوقف الحرب تحتاج لفاعلية اكبر لتجاوز الوقت المهدر دون جدوى او نتائج ملموسة.. فقد بات الشعب السوداني يكتوي بأوار هذه الحرب تشريدا وحسرة وانحسار للأمل ويتطلع بعين الترقب للسلام المنشود.
هذه الحرب احدثت ضررا كبيرا للبنية التحتية وأصبحت مهدد حقيقي لبقاء الدولة السودانية.. بالرغم من المجهودات التي تقوم بها الحكومة السودانية في هذه الوقت للمحافظة علي استمرار الحياة والخدمات في الولايات التي لم تتأثر بالحرب.. اذا أخذنا في الاعتبار ولاية الخرطوم التي تمثل العاصمة القومية والقلب النابض للدولة السودانية.. باضلعها الثلاث الخرطوم وبحري وأم درمان .. فقد تأثرت كافة القطاعات بلا استثناء خصوصا القطاعات الخدمية.. المتمثلة في المياه والصحة والتعليم والزراعة.. الى جانب المياه.. تم استهداف المحطات المياه.. بحري التي تمثل إمداد المياه العذبة لعدد يقدر ب 2 مليون نسمة تقريبآ.. التي لازالت خارج الخدمة ومحطة المنارة التي تعمل الان بصعوبة ومحطة المقرن ومحطة بيت المال، هذه المحطات في مجملها تغطي احتياج 8 مليون نسمة.
تعرضت هذه المنشاءات منذ الايام الاولي للحرب الي تدمير شبه كامل بصورة متعمدة.. مما أثر علي إمداد المياه وجودة الخدمة.. ومازال الوجود العسكري لقوات الدعم السريع المتمردة في بعض منها يعيق امر اصلاحها واعادتها للخدمة.. وهذا يعتبر استخدام لسلاح المياه (العطش) الذي ادي الي وقف الخدمات في هذا الجانب الحيوي والمهم لدفع المواطنيين الي الخروج من مناطق النزاعات.. باعتبار انهم ربما يمثلون عبئا كبيرا علي هذه القوات من ناحية تقييد حركتها او استغلالها كمصادر للمعلومات.
في جانب الزراعة خصوصا في ولاية الخرطوم مساحات واسعة خرجت من الدورة الزراعية في عدد من المشروعات سوبا شرق او سوبا غرب او سندس او غرب ام درمان بجانب المشروعات الزراعية في منطقة المقرن وعلي ضفاف النيل الأبيض والأزرق والنيل الرئيس علي امتداد ولاية الخرطوم.. حيث كانت هذه المشروعات تمثل الإمداد الغذائي اليومي والموسمي لكافة سكان العاصمة المثلثة الخرطوم وامدرمان وبحري.. والبالغ تعدادهم 14 مليون نسمة حسب نتيجة اخر تعداد للسكان في العام 2014م.
إضافة لذلك الزراعة المطرية التي يعتمد عليها السودان بنسبة 60% والتي تمثل حوالي 40 مليون فدان نصف هذه المساحة خارج الدورة الزراعية في هذا العام وربما ذلك يهدد بفجوة في الغذاء المهددة اصلا لجميع الحزام الافريقي جنوب الصحراء ومنطقة القرن الإفريقي حسب المنظمة الدولية بسبب شح الأمطار والتغيرات المناخية.. في دارفور وكردفان.
الأثر اكبر لاعتمادها بنسبة 100% علي الزراعة المطرية بجانب المشروعات الزراعية المصاحبة لمشروعات حصاد المياه في الريف السوداني علي وجه العموم بعد توقف عمليات الصيانة الدورية لهذه المشروعات بسبب الحرب وعدم الأمن وانعدام التمويل لهذه الصيانة التي كانت تسبق فترات الخريف لتخزين مياه الأمطار الموسمية.. فضلا عن العطش المتوقع في الصيف المقبل جراء ضعف التخزين وشح الموارد.. والنزاعات المصاحبة لحركة الرعاة بحثا عن المرعى.
كذلك القطاع الصناعي من المعلوم ان 80% من مصانع الإنتاج الغذائي موجودة في ولاية الخرطوم لذلك تأثر هذا القطاع بصورة كبيرة جراء هذه الحرب بما تعرض له من تدمير شامل وسرقات لأدوات الإنتاج والمنتجات ذلك يعتبر نسف شامل للبنية التحتية للصناعات خصوصا المواد الغذائية، وهذا التخريب المتعمد يحتاج الي سنوات من العمل المستمر بجانب التمويل لاعادته للخدمة من جديد.
كذلك في جانب الطاقة او الكهرباء علي وجه الخصوص فقد خرجت كثير من المحطات المنتجة والمحطات التحويلية عن الخدمة في الخرطوم بحري والباقير وأم دباكر وأم درمان هذا الي جانب النفط الذي تمثله مصفاة الجيلي التي توفر 70% من احتياجات البلاد في جانب المشتقات البترولية فهي الان خارج الخدمة وتحت سيطرة قوات الدعم السريع المتمردة.. وقد تعرضت لانفجارين محدودين خلال الشهر المنصرم تمت السيطرة عليهما في حينه.. لكن من المحتمل اذا يتكرر ذلك أن لا تسلم مساحة تقدر ب 20 كيلو متر في محيط هذه المنشأة من الدمار الكارثي.
في جانب الصحة فإن خروج 80% من المستشفيات الحكومية والخاصة الموجودة داخل ولاية الخرطوم يمثل عبئا كبير بما تعرضت له من انهيار شامل كذلك البنية التحتية لهذا القطاع تكاد تكون انهارت تماما ولا أمل لعودتها حتي بعد وقف الحرب إلا عبر مجهودات كبيرة ربما تتجاوز إمكانيات البلاد الحالية.
بالإضافة الي ذلك انهيار قطاع التعليم.. المدارس في جميع المستويات الدراسية وكافة الجامعات الموجودة داخل ولاية الخرطوم.. وخارجها جراء تعرضها الي التخريب بجانب استغلالها كدور للإيواء للفارين من جحيم الحرب.. فضلا عن منظومة البنية التحتية لمطار الخرطوم وللطرق والجسور التي استغلت الآليات والمدرعات الثقيلة.. بجانب انهيار جزئي لجسر شمبات وجسر خزان جبل أولياء.. بالإضافة الي الجسور الترابية.
هذا الواقع الأليم يحتاج الي قدر من التدبر والحكمة والنظر الي أهمية وقف الحرب عبر تفاوض عادل يضمن عودة المواطنين الي مساكنهم التي تستغلها الان قوات الدعم السريع المتمردة كاماكن بديلة بعد أن فقدت معسكراتها خلال الأيام الاولي للحرب.. كذلك أهمية خروجهم من الاعيان المدنية والمؤسسات الحكومية حتي يتمكن العاملين في الحكومة من مباشرة اعمالهم هذا بجانب إزالة كافة المظاهر العسكرية من الشوارع لتسهيل حركة المواطنين.
فإن استمرار الحرب يعني المزيد من الدمار والنزاع الذي لاطائل منه سوى الكلفة الاقتصادية الباهظة التي ظل يدفعها المواطن السوداني جراء طموح فاسد لقلة من السياسيين يلونون الأهداف بغير حقيقتها ولا يدركون أهمية ان يظل المواطن آمن في بلاده قادرا علي ممارسة حياته اليومية بسلام.. فقد بات الأمن والأمان للسودانيين اهم من الديمقراطية الكذوب التي افقدتهم امنهم وطمأنينتهم جراء هذه الحرب المتغيرة الأهداف في كل مرحلة من مراحلها.. لذلك من المهم أن يستجيب العقلاء والحكماء لهذا الحديث بعد الانهيار الفاجع الذي اصاب البنية التحتية للبلاد واصاب الإنسان قبل ذلك.
كما يجب أن يعلم الجميع ان كلفة الحرب عالية وان السلام مجانا قياسا بما تنتجه الحرب من فظاعات ودمار للإنسان والبنية التحتية.. واذا لم يكن هناك عقلاء.. فالرجاء وافر في الأشقاء والأصدقاء عبر مبادراتهم الصادقة الهادفة لحقن الدماء وطي صفحة الحرب للأبد.. لذلك نحتاج ان ننهض جميعا كسودانيين مع دعم الأشقاء والأصدقاء دون استثناء بالفعل الايجابي لأجل الوطن السودان حتي تضع الحرب اوزارها عاجلا غير اجل.. حتي يتوقف نزف الموارد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتي علي رأسها الإنسان.
دمتم بخير،،
6/ديسمبر2023
Shglawi55@gmail.com