فيما يخص الدعوة الأمريكية لمحادثات جنيف في الرابع عشر من اغسطس، دعونا نناقش تلك الدعوة شكلا ومضمونا لنرى إن كان في هذه الدعوة بادرة طيبه لوقف الحرب وإرساء السلام في السودان فنباركها أم هي محاولة التفاف جديدة مفخخة لارجاع مثلث الشر للسلطة مرة اخرى من جديد (الدعم السريع/ قحت/ تقدم) على جماجم الأبرياء؟
فهذه الدعوة..
●شكلا كالآتي:
1/ بيان وزارة الخارجية الأمريكية قال وبوضوح أنها دعوة مقدمة للجيش (وليس الحكومة السودانية) وللدعم السريع باعتبارهما طرفان متحاربان متساويان في الشرعية على أساس أنهما قوتين عسكريتين تتبعان (للدولة السودانية) ونسي ان يخاطب الدولة السودانية في هذا الصدد او تعمد تجاهلها الله اعلم!. كما ذكر البيان ايضا بصريح العبارة الهدف من المحادثات ومخرجاتها وقال بوضوح إنها لا تهدف إلي مناقشة القضايا السياسية الأشمل، وهذا يعني أنها لا يمكن أن تناقش وضعية الدعم السريع في الدولة أو ضرورة او إمكانية دمجه فهذه قضية سياسية وليست عسكرية…
2/تحدثت الدعوة أيضا عن جهات رقابية وهي (جمهورية مصر العربية ودولة الامارات والاتحاد الافريقي والايقاد) دون النظر لوجهة نظر السودان حكومة وشعبا وجيشا عن رأيها في المراقبين المختارين
3/هذه الدعوة هي لمحادثات (وقف إطلاق نار شامل) وليست محادثات سلام، فمحادثات وقف إطلاق النار لا يمكن أن يتم فيها مناقشة قضايا أخرى تخص تحقيق السلام ومطلوباته مثل قضايا (محاسبة من أجرم من قوات الدعم السريع أو ضرورة خضوعها (للدولة) أو إعادة المنهوبات أو أي إجراءات أخرى). اذا هي فقط محادثات تتعلق بإيقاف إطلاق النار وبالتالي بقاء قوات الملايش في أماكنها مع تعيين مراقبين لمراقبة الإلتزام بالاتفاق.
4/ بمجرد توقيع الجيش على إتفاق للوقف الشامل والدائم لإطلاق النار فإن هذا سيعني على الفور أنه اعترف وقبل من جديد بشرعية عسكريه (موازية) له وهي قوات الدعم السريع التي كانت بالامس تحته والتي تم حلها بموجب قانون القوات المسلحة وذلك لتمردها عليه! وسيتم الاعتراف والتعامل مع الدعم السريع المتحور (لملايش خارج السيطرة) على هذا الأساس من المجتمع الدولي في كل ما يتعلق بالأمور الإنسانية ومستقبلا في المسار السياسي (وهنا يكمن الفخ في هذه الدعوة)!.
وكما هو معروف دوليا أن عقد الاتفاقيات لوقف إطلاق النار بين الدول المتحاربة عبر الحدود يختلف عن وقف إطلاق النار بين القوات حكومية والحركات المسلحة كما يختلف عن وقف إطلاق النار بين قوتين (عسكريتين تتبعان للدولة).
وفي حالة السودان نجد ان الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة تنظر للطرفين باعتبارهما طرفان متساويان في شرعية حمل السلاح باعتبارهما قوتان نظاميتان دون النظر لحق القوات المسلحة الشرعي المعترف به دوليا في القيام بواجبها وحفظ أمنها الوطني مع تجاهل واضح لمجلسه السيادي الذي هو الان مركز قيادة الدولة بحسب التفاف الشعب حول قواته المسلحة ومجلسه السيادي.
(ومن هنا نستطيع ان نفهم بهدوء لماذا رفض الجنرال البرهان كقائد أعلى للقوات المسلحة وكرئيس مجلس سيادة الدولة، إستقبال المبعوث الامريكي في المطار) إذ كيف تتجاهله كرئيس مجلس سيادة الدولة في دعوتك التي تود الحضور من اجلها وتطالبه بالقيام بمهام السياده في ذات الوقت!
وبالعودة لسياق (الدعوة) تحديدا نجد أنه يعني أن أي حكومة يعترف بها المجتمع الدولي أن نجح هذه الدعوة وتم الإتفاق بهذه الكيفية إما
*ان تكون حكومة يعترف بها الطرفان (الجيش والدعم السريع) أو
*تكوين حكومة محايدة بينهما يقوم المجتمع الدولي بالإشراف على تشكيلها منفردا! .وهنا مربط الفرس..
●اماموضوعا ،،
1/ ليس هناك جيش في العالم أو أي قوة عسكرية تذهب للتوقيع على وقف دائم لإطلاق النار دون أن تحقق الحد الأدنى من أهدافها العسكرية وهو أن يكون العدو، على الأقل، في موضع ضعف عسكري وتراجع، إن لم ينكسر تماما وينهار، لأن الوقف الدائم لإطلاق النار يعني ببساطة نهاية الحرب وأن كل طرف حينها سيحصد ثمرة إنجازاته العسكرية على الأرض، فالقوة المتقدمة ميدانيا تكسب عند الوقف الدائم لإطلاق النار وهي قاعدة يعرفها العسكريون بالبداهة.
2/ اذا نظرنا لملايش الدعم السريع المنحل نجد هدفها الاستراتيجي الآن هو إيقاف الحرب على الوضعية الحالية في الميدان، ليحافظ على مكتسباته في الميدان المتراجعة هذا اولا،
وثانيا ليخرج من كماشة مقررات إتفاق جده التي اكتشف أنه قد تسرع في التوقيع عليها والتي بنودها تخرجه من الأرض والاعيان المدنية (بيوت الناس) وتحرجه بضرورة الالتزام بالخروج من بقية أعيان الدولة المدنية (دواوين الحكومة ومرافقها) التي احتلاها وبالتالي توقف القتال على الوضع الحالي عبر هذه الدعوة الامريكية الاخيره تعد مخرجا مناسبا يتيح له
أولا،،
تصحيح خطأه الذي ارتكبه في منبر جده
وثانيا،،
تمنحه مساحه اوسع بعد الخسائر النوعية الفادحة التي تلقاها من الجيش لتوفيق اوضاعه وانتظار المرحلة القادمة التي يحول فيها بعض المكاسب العسكرية إلي التمهيد لتحقيق مكاسب سياسية دائمة تعيد حليفه السياسي (قحت تقدم) للمشهد السياسي من جديد.
3/ يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية اما تعمدت انتهاج سياسة التجاهل أو انها اعتمدت سياسة النسيان!
إذ أنها قد اعتمدت دولة الامارات والاتحاد الأفريقي والايقاد كمراقبين متناسية أو ناسية أن السودان قد رفع في مجلس الامن شكوى ضد دولة الامارات وهذه الشكوى قد قبلت (شكلا وموضوعا) مما يخرج دولة الامارات من لعب دور (حلال المشاكل) دوليا حتى اشعار اخر،، وهذه الدعوة للامارات كمراقب تعد بمثابة طوق النجاة لها من الجرم المشهود لدى مجلس الامن
الاتحاد الافريقي،، هو والايقاد لم يكونا يوما أطرافا محايده في كل خطواتهما تجاه السودان وشعبه أو نزيهين على الاطلاق، فالايقاد كمؤسسه في المقام الأول معنية (بمكافحة الجراد في القارة الافريقية) نراها قد خرجت عن وصفها الوظيفي الأساسي في الاتحاد الافريقي وارتقت مرتقا صعبا بدأت فيه بالسودان ولم تفلح فقد تلاعبت سكرتاريتها كما هو معروف في صياغة مخرجات مادار في هذه الاجتماعات مما اخرجها هذا المسلك الشاذ الغير نزيه بجداره عن دائرة الطرف الثقه في أي شي ناهيك عن المحايد لحل أي مشكلة وان كانت جراده طاشه.
اما الاتحاد الافريقي، فقد كان في مرحلة معينه للسودان هو الحصان المرجو لحل المشاكل في الاقليم الأفريقي ولكنه لم يكن بقدر نظرة السودان الكبيرة له ولا حتى بقدر مستوى مسؤوليات أفريقية السمراء (ماما افريكا) للاسف وتجلى ذلك في قمته التى أسفرت عن وجه قبيح للسودان!
عليه،، مالم يفك الاتحاد الافريقي اولا تجميد نشاط السودان ومحاسبة الدول الأعضاء الضالعه في ازكاء نيران الحرب لوجستيا وارضيا وسياديا ومحاسبة الرشوة والفساد في اروقته لن يكون كمؤسسه محترمه مرجوة للقيام بمهام جسام للقارة الافريقية العظيمة ولن يكون مقبولا أو مرجوا مستقبلا كطرف حكيم لحل أي مشاكل تجابه القارة السمراء،،
كما لن يكون مقبولا او حتى مرجوا على الاطلاق لدى السودان حكومة وشعبا.وسيكتفي السودان بتجميد عضويته في هذه المرحلة والخروج ليس ببعيد عن هذه المؤسسة مستقبلا فقد سبق وخرجت المملكة المغربية وانصلح حالها جدا
اما جمهورية مصر العربية فهي تعد ست وجعة وقد شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء بالمواقف المشرفه فهي البلد الوحيد هي وارتريا والجزائر اللواتي لم تصطاد في المياه العكره للسودان، فمصر على الاخص تولت الملف الإنساني تجاه السودان بجدارة وجديه منذ الوهلة الأولى لحرب على السودان رغم المضاغطه الدوليه لابعادها عن لعب دورها الاقليمي المرجو ورغم ذلك تحملت الجزء الاكبر من الاعباء ويشهد لها التسعة مليون سوداني الذين لجئو لها رغم كثاقتها السكانية العاليه التي تربو عن ال120 مليون نسمه مع ضيق الارض ولها مشاكلها وتحدياتها ،رغم عن ذلك لم تقف مصر مكتوفة الأيدي بل قدمت الدعم الانساني المباشر لمن نزح داخل السودان (برا وبحرا وجوا) طيلة فترة الحرب وحتى هذا تاريخ (٥/٧/٢٠٢٤ ) كما احترمت جمهورية مصر العربية السيادة الوطنية للسودان وهيبة الدولة وقيادة جيشه وخير مثال خطاب وزير خارجيتها الاخير الذي عكس موقف مصر الرسمي عن السودان الذي يدعم عدم التدخل في شؤون السودان الداخلية بل دعمت وقدمت المبادرات تلو الاخرى لوقف الحرب على مدى العامين وهي الدولة الوحيدة التي نفذت البند الانساني داخل وخارج مصر والذي لم يفي بمعشاره المانحين في مؤتمراتهم الدولية في باريس وغيرها وربطهم للملف الانساني بالسياسي..
كما دعمت مصر السودان سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا.. وبناء على تلك الخلفية يمكن للسودان أن يقبل بجمهورية مصر العربية كوسيط ومراقب بكل سرور وحتى أرضية موثوق فيها لإيقاف الحرب وارساء السلام في السودان.اما غيرها فلا اعتقد انها فكره موفقه على الاطلاق
وهذا هو الاهم.
وبالرجوع لوقف القتال على الوضعية الحالية، فهذا لن يحقق للمواطنين أي مكاسب لانه يقنن وضعية الدعم السريع (وقحط/تقدم فيما بعد) في اماكن وجودها بل ويحميه من هجمات الطيران والعمليات العسكرية في حين أن ترتيبات وقف إطلاق النار لاتملك أي آليات لحماية المدنيين من الأعمال (غير القتالية) مثل السلب والنهب والقتل والاغتصاب، فإن قصارى ترتيبات وقف إطلاق النار المعروفه عالميا هي الفصل بين المتحاربين وتعيين خطوط تماس حرة وطرق معينة تسلكها قوافل المساعدات، اما ماظلت تقوم به ملايش قوات الدعم السريع المنحل من جرائم مستمرة في حق المواطنين فكلها ليست أعمال حربية تقع تحت تنظيم إتفاق وقف إطلاق النار بل أعمال اجرامية تقع تحت طائلة القانون الجنائي.
يمكنك ان تقول: انه يمكن النص على قيام الشرطة باعمالها بعد وقف إطلاق النار.. ولكننا جميعا نعرف أن ملايش قوات الدعم السريع هي بنفسها من تقوم بالجرام المجرمين مدنيون وبالتالي فإن مقدرة الشرطة على حفظ أمن المواطن في أماكن سيطرتها لا يعول عليها البتة وهذا واضح بجلاء الان في أماكن سيطرتها إذ يعتمد على رغبة ملايش قوات الدعم السريع في تلجيم أفرادها وهي رغبة منعدمة كما أن هذه القوات نفسها تحولت لعصابات متفرقة كل منها يتبع لقائد قبلي وبالتالي التعويل على مقدرتها على وقف الجرائم تجاه المواطنين هو محض تضليل ليس الا.
4/ بناء على ماقد سلف (شكلا وموضوعا)،، الصحيح في تقديري للوصول لاتفاق يؤدي لوقف (دائم) لإطلاق النار وإحلال السلام في السودان علينا
اولا..
أن نبدأ بالتعريف الصحيح الامين للمشكلة واعتماد التسمية الصحيحة للاطراف مثلا تعريف طبيعة الجيش وواجباته المعروفة دوليا والاعتراف به وبواجباته الوطنية تجاه شعبه وماهية الدعم السريع (المنحل) ومن الذي حله ولماذا ومتى وكيف وهل الجيش محق فيما ذهب اليه من هذا القرار حل قواته الداعمه ام لا، ومن ثم النظر في أماكن تواجدهما على الأرض وطبيعتهما العسكرية ومن هو المؤهل وقادر والأكثر التزاما بتنفيذ وقف إطلاق النار تحت مسمياته المختلفه من (هدن أو وقف دائم أو وقف مؤقت) ولماذا ومتى وكيف يتم ذلك ومن هو الاقدر على حفظ النظام والانضباط اثناء هذا التوقف الناري.
ثانيا،،
ضرورة الرجوع (لمقررات) جده ان كان بجده اوبغيرها.
ثالثا،،
الرجوع لاعتماد مؤتمر المائدة المستديرة لإدارة حوار شعبي وطني شامل لايستثني أحد الا من سبق عليه القول.
رابعا،،
يجب ان يدار في ارضنا السودان وبحضور وإشراف دولي محترم وبعض دول الجوار الافريقي الصادقة التي لم تتلوث يدها بدماء الشعب السوداني بل قدمت الدعم الانساني واللوجستي والسياسي والدبلوماسي لإيقاف الحرب وارساء السلام في السودان دون من ولا أذى واعني (مصر واريتريا والجزائر وغيرها..) مع أبعاد واقصاء كل دوله وكل فئة وكل جماعه وكل شخص استثمر في أزماتنا ونكباتنا.
خامسا:
وهو الاهم حق الشعب لايحق فيه لأي جهة اعفائه أو تسويته أو مقايضته أو يرفع فيه الشكاوى للجهات العمليه بالدولة وترفعه لمجلس الامن للنظر في تعويضات الضحايا أحياء وامواتا، عملا بشعار الشعب الثائر (حقنا كامل مابنجامل ولن نغفر ولن نسامح).
وبناء على ماقد سلف نجد ان حث الجيش أو الحكومة ايا كان المسمى على الذهاب إلى جنيف والتوقيع على وقف إطلاق النار وفق هذا الشكل المطروح الان وبهذه المضامين دون التمحيص المرجو، هذا يعني القبول حرفيا بالدعم السريع كطرف منتصر في الحرب وقحت تقدم هو الحكومة القادمه بامتياز رضي من رضي وابا من ابا وضياع حقوق الشعب السوداني.. ليس هناك أدنى شك وعلى الشعب السوداني الفضل ان يستعوض الله في ارواحه وامواله واعراضه وارضه المحروقه حيث لاسيره ولاضمانت يستند عليها الشعب تضمن حفظ حقه الضايع في هذا المنحنى
ونعتبر كل تضحيات الشعب ومراراته كأنك يابوزيد ماغزيت
وهنا اقول التاريخ لن يرحمكم
يتبع…
مريم الهندي
2024/7/28