لقد ظلت علاقات السودان بالغرب محكومة دوماً بذكريات وترسبات الواقع الاستعماري الذي رسم ملامحه قادة مثل الضابط النمساوي الذي خدم في جيوش الامبراطورية البريطانية رودلف سلاطين صاحب الكتاب الشهير ( السيف والنار) وهو احد الذين شكلوا جغرافية وتاريخ السودان بعد الحكم الانجليزي لمصر والسودان وقد تجسد ذلك الواقع في كتاب حمل ذات العنوان (جغرافية وتاريخ السودان) كتبه نعوم شقير بايعاز من المخابرات البريطانية في ذلك الحين ومن بين قادتها سلاطين ومن عجب اننا في السودان نستمد كل معلوماتنا من ذلك الكتاب باعتبار انه يمثل رؤية الخواجة الذي يعرف تاريخنا وجغرافيتنا اكثر منا كما رسخ في عقلنا الذي لم يتحرر حتى الآن رغم خروج الاستعمار المباشر من قبل سنوات طويلة، ولعل اشهر الكتب مثل كتاب مكي شبيكة (السودان عبر القرون) استعان كثيرا بمعلومات نعوم شقير وكتاب أوربيين آخرين .
إن سلاطين باشا مؤلف كتاب السيف والنار ذلك الكتاب الملئ بالترهات والاكاذيب تقلد بناء على معلوماته الملفقة تلك منصب المفتش العام اثناء الحكم الانجليزي للسودان واستمر في ذلك المنصب اربعة عشر عاما رسخ فيها كل ما يريد وعندما عاد الى بلده الاصل النمسا نتيجة لدخولها الحرب الى جانب المحور ضد الحلفاء كرم سلاطين والغي ذلك المنصب الذي اصطنع خصيصاً له وحولت صلاحياته للسكرتير الاداري ولم يعين اي مفتش عام بعد ذلك.
إن آراء سلاطين باشا هي التي شكلت المخيلة الغربية عن السودان ايام الإستعمار وظلت المرجع في علاقات الغرب بالسودان حتى الآن مما نتج عنه شرخ عميق من عدم الثقة وثقته حوادث لاحقة، فظلت علاقاتنا مع الغرب موضع شك وريبة ولم يرض عنا حتى بعد سقوط نظام نميري الذي تخلى عنه الغرب بعد ان لم يلتزم بانفاذ بعض الشروط التي أملاها عليه في ذلك الحين جورج بوش الأب نائب الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان، ورغم أن البلاد كانت وقتها قد اجريت فيها انتخابات حرة نزيهة فازت بها الاحزاب الاسلامية الثلاثة في ذلك الحين حزب الامة وبرنامجه (الصحوة الاسلامية) والحزب الاتحادي الديمقراطي وبرنامجه (الجمهورية الاسلامية) والجبهة الإسلامية القومية وبرنامجها (القرآن دستور الامة)، حيث لم تشهد تلك الفترة اي مساعدات غربية للسودان بل انخفضت المعونة الامريكية من 250 دولارا في العام على ايام الرئيس الراحل جعفر نميري الى 15 مليون دولار فقط مع وقف أي معونات عسكرية أو حتى مناورات بين الجيشين كما كان سابقاً، وصحب ذلك أيضا دعم كامل للحركة الشعبية المتمردة في جنوب السودان.
أما بعد سقوط الإنقاذ وتولي مجموعة متبناه وموالية للغرب وعلى رأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك فبينما لم يف الغرب وفي مقدمته أمريكا بأي من الوعود البراقة التي منوا بها الشعب السوداني، أفرغوا خزينته وسوقه الموازي من الدولار بدفع ثلاثمائة وخمسين مليون دولاراً بدعوى دفع تعويضات لأسر ضحايا قضايا لم يرتكب السودان أصلا جرماً فيها ولا يدري الشعب السوداني كيف قسمت تلك المبالغ التي سلبت منه جهاراً.
إن امريكا وريثة التركة البريطانية منذ وقت مبكر قد شابت علاقاتها بالسودان توترات قديم بدأت بحملة إنقاذ غردون،ثم مقتل القنصل الفخري الامريكي مع غردون عند تحرير الخرطوم والموقف السوداني المناصر للقضية الفلسطينية منذ احتلال فلسطين والى سقوط الانقاذ مروراً بمحطات كثيرة من التوترات التي زادت الطين بلة ولا يتسع المجال هنا لذكرها.. يتبع.